|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في التحذير من مكر الله تعالى والاغترار بحلمه الشيخ طه محمد الساكت الحمد لله خلق الإنسان ويعلم ما تُوسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، الذي يُمهِل الظالمين ثم يأخذهم أخذَه الأليم الشديد، إليه مرجعكم جميعًا ثم ينبئكم بما كنتم تعملون، أستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه من إله حكيم، مُدبِّر عليم، غافر الذنب وقابِل التوب شديد العقاب، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وقدوة العاملين، وسيد مَن أناب، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وعلى آله وأصحابه: ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]. أما بعد: فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، وروى البخاري في "تاريخه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكنه ما وقَر في القلب، وصدَّقه العملُ، وإن قومًا غرَّتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نُحسِن الظنَّ بالله تعالى، وكذَبوا؛ لو أحسَنوا الظنَّ، لأحسنوا العملَ)). عباد الله: لقد تجرَّأنا على الله، واغتررنا بحِلْم الله، وأمِنا مكْرَ الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، نسينا أن الله هو المبدئ المعيد، وأنه هو الغني الحميد، وأنه ذو البطش الشديد ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61]، أنعم علينا بنِعم لا تُحصى فما شكرنا، وابتلانا بأنواع المصائب والآفات فما اعتبرنا، ودعانا إلى هدايته فما أجبْنا، بل تعدَّينا حدَّه، ونقضنا عهدَه ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]. يا عباد الله: إن سبب هذا الغرور أننا لم نخشَ الله حقَّ خشيته، ولم نخَفْ شدة عقابه ونقمته، ولم نعرفه حقَّ معرفته؛ لأن مَن عرَف الله خشيه، ومَن خشيه اتقاه ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52]. سبب هذا الغرور أننا تهاونَّا بذنوبنا؛ حتى طبَع الله على قلوبنا، فلم ننتفع بآيات الله، ولم نتَّعِظ بمواعظ الله، ولم نتأثَّر بقوله - جل علاه -: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74]. وروى الترمذي بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نُكِتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، سُقِلَ قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها، حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكَر الله ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14])). عجبًا لنا، نقول قول المؤمنين ونتزيَّا بزي الصالحين، ونعمل عملَ المنافقين، ثم نطمع في جنَّة أعدَّها الله للمتقين، ونسينا يومًا يجعل الولدان شيبًا، يومًا كلام الرسل فيه: سلِّم سلم! ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [النحل: 111]. فاتقوا الله عباد الله، ولا يَغُرنَّكم الأمَل، وتوبوا إلى الله جميعًا ولا تُسرِفوا؛ فإنكم لا تدرون متى ينقضي الأجَل، واكتبوا على صفحات قلوبكم قولَه تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن خاف أَدلَج، ومَن أدلج بلَغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة))، وروى الترمذي أيضًا عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماءُ وحُقَّ لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه مَلَك واضع جبهته لله تعالى ساجدًا، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، ولما تلذَّذتم بالنساء على الفُرُش، ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله تعالى)). وروى ابنُ حِبَّان في صحيحه والبيهقي في الشُّعَب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: ((قال الله - سبحانه وتعالى -: وعزتي وجلالي، لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين؛ إن أَمِنني في الدنيا أخفتُه في الآخرة، وإن خافني في الدنيا أمَّنتُه يوم القيامة))، وروى الترمذي (وقال: حديث صحيح) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ ثم قال: ((أتدرون ما أخبارها؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أَمَة بما عمِل على ظهرها، تقول: عمِلت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها)). إن الله جلَّت قدرته، وتعالت حِكمتُه، ووسعت كلَّ شيء رحمتُه، لم يترك لنا حُجَّة ولا معذرة، من بعد أن أرسل رسلَه، وأنزل كُتبَه، وحذَّرَنا الدنيا وغرورَها، والآخرة وأهوالها، والشيطانَ وكيده، وحجَبَ عنا الغيبَ؛ كي نَخلع رداء الكسل، ونلبس لباسَ الجد والعمل، فليس الإيمان بالأماني الباطلة، والدعاوى الكاذبة، والأقوال الزائفة، ولكن الإيمان عقيدة صحيحة، وعزيمة صادقة، وأعمال لله خالصة، وإن قومًا غرَّتهم أمانيهم، وضحِك منهم شيطانُهم، فلم يُقدِّموا لأنفسهم شيئًا، بل زعموا أنهم أحسنوا الظنَّ بالله، وهم كذَّابون دجالون ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9]، لو أحسنوا الظن بالله، لأخلصوا العملَ لله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |