|
الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الفوارق المحرمة في مفهوم العدالة الاقتصادية
الفوارق المحرمة في مفهوم العدالة الاقتصادية أ. محمد هاشم عوض إن مفهوم العدالة الاقتصادية في الإسلام يعدُّ بحق جمعاً شاملاً وتوثيقاً كاملاً بين مفاهيم العدالة عند مختلف المدارس الفكرية، ويظهر هذا بوضوح إذا ما نحن تأملنا ماهية العدالة الاقتصادية في الكتاب الكريم والسنة الشريفة، أو نظرنا في منهاج تحديد المدى الذي يذهب إليه في محو الفوارق لتحقيقها، أو في الأسلوب الذي يتبع في محو هذه الفوارق. فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13] تأكيد لتساوي البشرية في الآدمية وعدم التمايز بعنصر أو حسب أو جاه أو ثروة، وإنما بالعمل الصالح والجهد النافع. ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس سواسية كأسنان المشط". والإسلام يجعل الناس سواسية أمام القانون. وقد قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". ومع تأكيد الإسلام لتساوي البشر في الآدمية وأمام القانون لا نجده يفرض المساواة الكاملة بينهم في الدخول. وقد قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ [النحل: 71]. وقال تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزمر: 43]. ولكن القرآن الكريم لا يجعل التمايز في الدخول وصفاً مثالياً يطالبنا بالمحافظة عليه، بل إنه يدعونا لمحو التمايز في الدخول ما أمكن: فيقول جل وعلا: ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ﴾ [الأنعام: 165]، وهو قد فرض قسمة مال الفيء وخصص منه قدراً كبيراً لليتامى والمساكين وابن السبيل ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ [الحشر: 7]، إذن فكسر احتكار القادرين الأغنياء للثروة شيء يدعو له الإسلام ويطالب به، وما خص الله به الأغنياء من فضل في الرزق إنما هو اختبار وامتحان لهم لكي ما يقاموا غريزة الاستعلاء والتسخير والأثرة فيهم ويشركوا الفقراء في ثرواتهم. والإسلام إذ يدعو الناس لتضييق الفوارق في الدخول يتعرض لأسباب هذه الفوارق ومبرراتها فيهدمها واحدة تلو الأخرى. فهو أولاً لا يبيح كسباً بلا جهد أو باستغلال الآخرين. أما تحريمه الكسب بلا مجهود فيتضح من تحريمه استثار فرد بشيء من نتاج الطبيعة كالمياه الجارية والمراعي الطبيعية والغابات والأحراش والأراضي غير المستغلة، وجعلها ملكا جماعيا للأمة بأسرها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار" (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة). ومن هنا كان تحريم احتكار الأرض وهي خالية لأكثر من ثلاثة أعوام، واسترداد الرسول صلى الله عليه وسلم من أبيض بن جمال المازني موقع الملح بمأرب (قرب صنعاء) حينما علم بأنه يشبه الماء الجاري لحصوله بلا كد وعناء. وفي نفس الوقت سمح عليه الصلاة والسلام بتمليك ما كان نتاج عمل وجهد، إذ قال: "من أحيا شيئًا من موات الأرض فله" (رواه طاوس وابن عباس رضي الله عنهما). ونجد مصداق هذا في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ الآية [النجم: 40]. والقرآن الكريم حينما يقرر أن ليس للإنسان إلا ما سعى لا يحرم فقط امتلاك ما لا يكتسب بجهد ولكنه أيضا يحرم اغتصاب المرء لثمرة جهود الآخرين. وقد جاء هذا قاطعا في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188] ومن تحريم الغش والرشاوي في هذه الآية الكريمة حرم الإسلام ألوانا شتى من أكل أموال الناس بالباطل بصورة قاطعة منها الربا والقمار والسرقة والغلول (أي اختلاس أموال الدولة) والغصب (أي الابتزاز). من بحث منشور في المؤتمر الأول لجماعة الفكر والثقافة الإسلامية الخرطوم، السودان: 29 محرم - 2 صفر 1403هـ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |