|
الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
ذكاء النمل
ذكاء النمل حامد شاكر العاني إن الله جلت قدرته وعظم شأنه لم يكن ليلفت نظر العقلاء من بني البشر إلى هذا المخلوق (النمل) إلاَّ ليحيطهم علماً بأنه يمتلك قدرات عجيبة وقوى خارقة تذهل العقول وتحير الألباب وتضعهم في موضع البحث والتقصي، وقد ظهر علماء اهتموا بهذا الموضوع أيما اهتمام، واستغرقوا في البحث والتقصي سنوات كثيرة فاكتشفوا بعضاً من سلوك النمل الذكي، وتطور جهازه العصبي، فعند وضعه تحت المجهر وجدوا أن دماغ النملة يتكون من فصين رئيسيين يشبه مخ الإنسان، ومن مراكز عصبية متطورة وخلايا حساسة [1]. والذي يلفت النظر أيضاً أن الله عز وجل أفرد لهذه الحشرة الذكية المنظمة النشيطة المثابرة سورة في كتابه العزيز سماها (النمل) كل هذا وذاك لأهمية هذا المخلوق، وليدلنا على عجيب صنعه وقدرته التي لا يقدر عليها أحد إلاَّ هو سبحانه وتعالى، لغرض أن نفرده بالعبادة وحده دون سواه، ونقر له بالربوبية الحقة، وهذا مقتضى الانقياد والخضوع والخشوع والتذلل بين يديه سبحانه تقدست أسماؤه وصفاته. فالنمل ليس من الكائنات الغبية، بل له ذكاء فطري يستطيع من خلاله التمييز بين العدو والصديق، والشر والخير، وأنه يستطيع أن يدفع عن نفسه بذكائه، وأنه يعرف أن له رباً عظيم الشأن قادراً وأنه فوق سماواته على عرشه استوى. فقد روى لنا ابن القيم (رحمه الله) عن حقيقة ذكاء النمل في كتابه شفاء العليل ما نصه: (إن أهل الأحنف بن قيس لقوا من النمل شدة، فأمر الأحنف بكرسي فوضع عند تنورين فجلس عليه ثم تشهد ثم قال: لتنتهن أو ليحرقن عليكن، ونفعل، قال: فذهبن) [2]. فهنا استطاع النمل بتقدير الله عز وجل أن يدفع عن نفسه بذكائه، ولم يجد له من وسيلة للتخلص من الحرق الأكيد إلاَّ بالتخلي عن موقعه، ومثل هذا السلوك يسلكه القادة العظام من العسكريين عندما يجدون أن الخطر يكمن ببقائهم في هذا الحيز من الأرض سيضطرون إلى تركه واللجوء إلى أرض أخرى أكثر استقراراً وأماناً. وقصة النمل في القرآن الكريم دليل آخر على ذكاء تلك النملة التي أنقذت بني جنسها من الموت المحقق بالسحق والتحطيم، وهذا من أعجب العجيب، ولذلك تبسم لها سليمان عليه السلام ضاحكاً لذكائها وفطنتها. قال ابن القيم: (ثم أخبر بما دل على شدة فطنة هذه النملة ودقة معرفتها حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم، فقد عرفت هي والنمل أن لكل طائفة منها مسكناً لا يدخل عليهم فيه سواهم) [3]. وقال البيضاوي: (فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم مع أنه لا يمتنع أن خَلَقَ الله سبحانه وتعالى فيها العقل والنطق) [4]. ولو تتبع كل إنسان بفهم وإدراك هذا النوع من المخلوقات لوجده على درجة عالية من التنظيم تفوق الخيال. فهذه النملة التي أشار إليها القرآن تعمل مع بني جنسها وفق خطة عمل واضحة وحازمة حيث توزع المهام على أفراد الخلية، فيقوم كل فرد منها بواجبه على أكمل وجه من خلال البرنامج الفطري الذي أودعه الله تعالى في دماغه من غير تمرد أو تكاسل [5]. وذكاء النمل من الحقائق العلمية التي تتناسب مع حقيقة القرآن التي لا شك فيها ولا يعتريها أي خطأ. فإشارة القرآن الكريم إلى حقيقة علمية كبيرة، وهي ذكاء النمل وقدرته على المحاكمة العقلية والفكرية ومواجهة الأخطار التي قد تحدق به، فقد استطاعت تلكم النملة الحاذقة أن تحدد مكان سليمان والطريق الذي سيسلكه، وهذا لم يكن ليتم لولا هذه القدرات الخارقة التي يتمتع بها النمل. وبديهي أننا نسلم يقيناً أنها إرادة الله التي جعلت النمل في هذا المستوى العالي من الفطنة والذكاء، فهو إلهام منه سبحانه لهذا المخلوق، وفي نفس الوقت أنه تحدي عظيم يضعه أمام البشر، لأن يخلقوا مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، كتحديه سبحانه لكفار مكة بأن يخلقوا ذباباً قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [6]. فالآيات التي ذكرها الله عز وجل في سورة النمل دليل ساطع البيان نستلهم منه مدى ذكائها في توصيل الخبر، وكيف أنها استخدمت أذكى الطرق في دفع الخطر عن بني جنسها دون أن تفزعهم وتثير بينهم الهلع والخوف، ولعمر الحق إن كثيراً من الجهات المنظمة في العالم تستخدم اليوم أحدث الطرق والوسائل من أجل أن تنشئ طاقماً يستطيع بذكائه إيصال المعلومة بأسلم الطرق وأكثرها جدية، وربما نستفيد في هذه الجولة من هذه النملة الذكية في أن تعلّمنا الطريقة السليمة في إيصال الخبر دون إرباك وضوضاء. [1] بحث عن الإعجاز العلمي للقرآن في النمل ص 10. ومن هؤلاء الذين بحثوا في هذا المجال (رويال وكنسون) أحد علماء التاريخ الطبيعي، والذي صنف كتاباً مهماً اسماه: (شخصية الحشرات). [2] ينظر: شفاء العليل ص 69. [3] ينظر: شفاء العليل ص 69. [4] ينظر: تفسير البيضاوي ص 262. [5] بحث عن الإعجاز العلمي للقرآن في النمل ص 11. [6] سورة الحج الآية (73).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |