|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أما بعد :
فإن هذا العيد يذكرنا بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام , فإنه حين سار بزوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل من الشام حتى وصل بهما إلى جبال مكة ـ وهي يومئذ خلاء ـ وضعهما في ذلك الوادي الموحش المقفر وترك لهما سقاء به ماء وجراب تمر . وحين هم بالرجوع تعلقت هاجر بثيابه وقالت له: "يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا في هذا المكان الموحش ؟" فلم يجبها لأنه لا يعلم إلا أن الله أمره بتركهما في ذلك المكان, ولا بد من الطاعة والامتثال له. كررت هاجر سؤالها عليه ثلاث مرات وهو لا يجيب . عندها قالت هاجر:" آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم. قالت: " فاذهب إذا , فإن الله لن يضيعنا". إيمان عميق، وثقة بالله عجيبة. امرأة وطفل رضيع في مكان ليس به أنيس ولا حسيس، في مكان ليس به طعام ولا ماء، ومع ذلك تذعن لأمر الله وتثق بوعد ه ورحمته. وما هي إلا سويعات حتى نفذ الماء من السقاء، وبدأ إسماعيل الطفل الصغير يتلوى من العطش. ولم يكن أمام تلك المرأة الضعيفة من حل سوى أن تقوم ، فتصعد جبل الصفا لتنظر هل من أحد ولم تر أحدا. تنزل من الصفا إلى الوادي الذي بينه وبين المروة حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود لترقى إلى المروة فلما وصلت أعلى ذلك الجبل نظرت فإذا بها لا ترى أحدا من تلك الجهة. فتنزل مرة أخرى فعلت ذلك سبع مرات تصعد الصفا وتنظر وتدعو وتنزل ثم تصعد المروة وتدعو ثم تنزل، قال النبي صلى الله عليه وسلم :"فذلك سعى الناس اليوم " أي أن السعي الحجاج بين الصفا والمرة تذكر لما حدث لأمنا هاجر عليها السلام . سبع مرات تنزل هذا الجبل وتصعد الأخر حتى قطعت الأمل من وجود أي مخلوق في ذلك المكان ... انقطع أملها من الخلق ولم يبق أملها ورجاؤها إلا في الخالق عز وجل الذي توجهت إليه بالدعاء. وإذا بها تسمع صوتا. قالت: قد أسمعت إن كان عندك غوث. فإذا هي بالملك جبريل عند قدم الرضيع, وقد بحث بعقبه حتى ظهر الماء المبارك. فأخذت تزُمُّ الماء أي تحوطه بحوض من الرمل وتملأ سقاءها. قال النبي صلى الله عليه :"إن جبريل لما ركض زمزم جعلت أم إسماعيل تجمع البطحاء" . ثم قال: " رحم الله هاجر لو تركتها كانت عينا معينا " أما إبراهيم عليه السلام فإنه بعد ان ابتعد عنهم قليلا دعا الله تعالى قائلا: " رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ" سورة ابراهيم آية 38 فأتى الله بقبيلة من اليمن (تسمى قبيلة جرهم) فحلوا في ذلك الوادي فأنست بهم هاجر وابنها إسماعيل. ولما كبر تزوج منهم فكانت هاجر وابنها هي نواة تلك البلاد المباركة. وهذه هي عاقبة الصبر واليقين والتوكل على الله والرضا بأحكامه . وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال كل مسلم. الله أكبر ....... وما إن ينتهي ذلك الابتلاء لإبراهيم وهاجر بالنجاح والفوز برضوان الله حتى يبدأ امتحان جديد ... فلم يكد إسماعيل يشب ويبلغ مبلغ الرجال حتى يأتي الأمر لإبراهيم بذبحه:" فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" سورة الصافات 100 فهذا إبراهيم الشيخ الكبير المقطوع من الأهل والقرابة المهاجر من الأرض والوطن يرزق في كبره وهرمه بغلام طالما اشتاق إليه , وما يكاد يأنس به، ويبلغ معه السعي، حتى يرى في منامه أنه يذبحه. ورؤيا الأنبياء حق .{ يا بني إني أرى في.. يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض ويطلب إليه أن يتروى في أمره فيجيب الابن " يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" إنه يتلقى الأمر في طاعة واستسلام ورضى ويقين . فيقود إبراهيم ابنه إلى منى لينفذ حكم الله ولكن إبليس يستشيط غضبا ويتغيظ من هذه الطاعة والاستسلام لأمر الله, فيقرر أن يعترض لإبراهيم ويصده عن أمر الله، فعندما وصل إبراهيم إلى جمرة العقبة عرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى ثم الصغرى وإبراهيم يرجمه في كل مرة حتى ذهب عنه . ويمضي إبراهيم فيكب ابنه على جبينه استعدادا , والغلام يستسلم . وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا, كان قد أسلما.. كان الابتلاء قد تم.. ونتائجه قد ظهرت.. والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا " ففدى الله الغلام بذبح عظيم وأراح الشيخ من بلاء جسيم . كما في سورة الصافات " وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ " ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يجسد حقيقة الإيمان وعظمة التسليم, ويذكر بهذه المواقف الجليلة من أبي الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام الذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة المرجع الذي تتبع ملته، و ترث نسبه وعقيدته. والذي تنعم ببركة دعوته إلى يوم القيامة . وتمر الأيام ويأتي إبراهيم إلى ابنه فيقول له: يا بني إن الله تعالى أمرني أن أرفع قواعد بيته الذي كان في هذا الوادي. قال الله تعالى " وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " سورة الحج 26 فللتوحيد أقيم هذا البيت منذ أول لحظة. ففي سورة البقرة يقول الله تعالى : " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وكأننا نتخيل نبيين كريمين وهما يبنيان البيت ويدعوان الله، ونكاد نسمع صوتيهما يبتهلان: " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وكانت الاستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل وهي بعثة هذا الرسول الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعد قرون وقرون وهذا يدل على أن الدعوة المخلصة الصادقة تستجاب ولو بعد حين , ولكن الناس يستعجلون ويملون ويقنطون .. فرحمك الله أيها الخليل, وجزاك عنا خير الجزاء, ورفع منزلتك في النبيين. وهذه القصة تذكرك أيه المسلم أنك تسير في طريق الأنبياء وتترسم خطى الصالحين الذين صدقوا مع الله, فكان الله معهم. فأنت بإذن الله على الطريق الصحيح الذي سار عليه الانبياء إبراهيم واسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام. فاجعلهم قدوتك في الأيمان بالله والتوكل عليه والثقة بما لديه ..وتيقن أن الله عز وجل لن يخيب أحدا رجاه واعتمد عليه , ولن يرد سائلا توجه بالدعاء إليه .. وفي الحديث الصحيح :" إن الله حي كريم يستحي من عبده أن يبسط إليه يديه ثم يردهما خائبتين" المستدرك 1831
__________________
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |