المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين المشكاة والمصباح والزيتونة


يانورالنور
08-01-2006, 02:29 PM
بين المشكاة والمصباح والزيتونة

===================

قلنا إن {نوره} في قوله تعالى { مثل نوره كمشكاة } هو دينه وتعاليمه ، أما التجريد والإطلاق الذي لا يحده عقل ولا واقع ، فهو قوله تبارك وتعالى أول الآية { الله نور السماوات والأرض } نقول هذا تجريد مطلق ، والتجريد كما نوهنا هو اللامحسوس ، واللامدرك ، إلا بآثاره ، وآثاره كذلك فيها المجرد وفيها المحسوس نجد ذلك في نفس الآية بعد قوله عز وجل { الله نور السماوات والأرض } قوله { مثل نوره كمشكواة فيها مصباح ... } فقوله تعالى { مثل نوره ..} فيه تنويه عن آثار النور المطلق ، فإن قلنا ـ كما قدمنا ـ إن المقصود بالمثل هو دينه ، فهذا صحيح ، وإن قلنا ـ بناءً على مفردات الآية هو مجسَّم دينه ، فهذا كذلك صحيح ، وإن قلنا إنَّه الإبداع في دينه أو الإبداع في نوره أو الإبداع في خلقه ، فهذا كله كذلك صحيح . وإن قلنا أنه سبحانه قصد بذلك محمداً (ص) أو قصد بذلك النموذج البشري الأول السويَّ آدم،أو نوحاً أو موسى أو عيسى أو كل نبيٍّ أو رسول ٍ أو ولي من أوليائه المنتجبين وعباده الصالحين ، كان كل ذلك صحيحاً .

فخلاصة القول في الآية الكريمة: { مثل نوره كمشكاة ...}

أنها حمالة وجوه نورانية غنية بالدلالات واضحة الظهور ، كثيرة الإشارات ، بليغة الرموز ، نستخلص منها عبر قوله تعالى : {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور } عامة حقائقها : بعد أن فسَّرنا مفردات الآية بالمتعارف في حقيقة اللغة، علينا الآن أن نعرض مجازاتها المقصودة بإذنه تعالى :

فالمراد بالمشكاة ، الإنسان المجتبى ، المؤمن الموقن الصالح ، شكلاً ومضموناً ، عرضاً وجوهراً .

{ فيها مصباح } المصباح قلبه المستنير المنير بالإيمان المكتوب فيه ، لا يمَّحى ، لأن الله سبحانه هو الذي كتب فيه ، أي في القلب المخلص لله . ومن الأدلة المشرقة ، قوله تبارك وتعالى: { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءَهم أو أبناءَهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } سورة المجادلة آية 22 } .

هؤلاء الموصوفون في هذه الآية تجردوا لله ، إخلاصاً وطاعة ، وجهاداً في سبيله وحباً ليس فوقه حب . رهنوا أنفسهم بالشروط الثلاثة المنجية : الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر ، وأما الثالث فمستنتج ، إذ من أعلى الأعمال الصالحات ، أن تضحي بمحبتك ، تلك التي تربيت عليها طفلاً وصبياً حتى كادت أن تتملكك ، ما هو مكنون منها أكثر مما هو ظاهر ، وهي لأقرب الناس إليك نسباً وتعاملاً واحتكاكاً يومياً ، في عشرة العمر ، هم الأهل أباً وأماً وأبناءً وإخوةً وعشيرة ، هؤلاء إن خرج أحد منهم على حدود الله ، إن { حادَّ الله ورسوله } ، أخرجت من نفسك حبه ، وإذا توافق أنهم جميعاً حادُّوا الله ورسوله ، تجاوزوا حداً من حدود الله أو أكثر ، كذلك تخرج محبتهم جميعاً من نفسك ، ولا أقول من قلبك لأن القلب كله لله ، كم هو صعب ذلك ؟! كم يلزم من التصفية ثم الصفاء ، كم يلزم من التحليل والتعليل والمقارنة ، التي تنتهي إلى أن تختار الله ، أو أن تختار أباك أو أمك أو ابنك أو أخاك أو عشيرتك على فسوق منهم أو إخلال في دين الله ، خروجاً على حدوده أو على حد من حدوده ، والله يأبى عليك أن تكنَّ لهم مع ذلك وداً أو محبة . إخترت الله عز وجل ؟ وأخلصت له قلبك وحبّك وطاعتك ؟ إذن كتب الله في قلبك الإيمان . وما يكتبه الله عزت عظمته لا يمحَّى أبدا . وأكثر من ذلك وأعظم ، ايَّدك بروح منه، لا يؤيد به إلا أمثالك على درجات ٍ من تقدمهم عليك أو تأخرهم عنك فـ { لكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون } .

ثم ما هو هذا الروح الذي يختص الله سبحانه هذا النمط من الناس به ؟ أهو الروح الذي في آية الشورى : قوله تعالى :

{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ... إلى قوله : ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا } هل هو هو أم أنه روح آخر ونور آخر ؟ المهم أن أهل اليقين المخلصين ، الذين يريدون وجه الله وحده ، يؤيدهم سبحانه ـ إضافة للملائكة الذين يصحبون كل إنسان في العادة ـ بروح منه ، هو أعلى درجة ، وأميز نوراً ، وبالضرورة أكثر خيراً وبركات وتسديداً ، وتجنيب عثرات .

فالقلب الذي يكتب الله فيه ، لا بدَّ أن تكون كتابته بحروف النور ، فكلامه نور وحروفه من نور ، ولذلك هو سبحانه ، وفي أكثر من آية ، سمى القرآن الكريم نوراً ، لأنه كلامه . هذا إضافة إلى الروح الذي يؤيد ويختص به عبده الصالح ، وقد جعله الله نوراً كذلك، كما في آية الشورى : { وكذلك أوحينا ...} : فاجتمع في القلب المخلص لله ، ما كتب سبحانه بحروف النور ، مع الروح النوراني المنوه عنه ، فكيف يغدو هذا القلب وفيه كتابة من الله وروح منه نوراني ، يغدو أبهى وأزهى وأزهر المصابيح ، بل أين منه المصابيح العادية ؟ يتلألأ نوره بحروف نور الله ، فهو فوق المصابيح التي من صنع البشر ، مهما تقدمت الصناعة ، وتصفىَّ الضوء ، وأين في مصابيح البشر ما قاله الله عز وجل . عن مثل هذا القلب ، حيث تابع سبحانه قوله : { المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة }.

في تقدم صناعة المصابيح ، كان لا بد لكل مصباح مهما كان نوع وقوده ، من زجاجة تحمي الوقود من عاديات الجو ، وتزيد في قوة انعكاسه وصفاء إشعاعه . وما لم يكن من المصابيح في زجاجة، سرعان ما يخبو وينطفىء .

وحتى يظهر الله عز وجل الفارق بين مصباح المؤمن الذي هو قلبه ، وبين المصابيح المصنوعة المتطورة ، وفي زجاج متطور ، أعطى هذا المثل عن قلب المؤمن المصباح ، الذي يستحيل على البشر ، تصنيع مثله . وكيف يستطيعون ، وهو في زجاجة كأنها كوكب دريّ ؟ هم قد يحصلون على الدرَّة من محارتها ، ولكن أن يحصلوا أو يصنعوا كوكباً درياً ، مثل الذي يصفه الله تعالى وقد يكون أكبر من حجم الأرض ، هكذا وببساطة ، تلك هي اللغة عن الكواكب . إذن هو التميُّز النوراني ، في قلوب أهل اليقين . ضوء القمر الجميل الهادىء ، هو انعكاس لأشعة الشمس عن جرم القمر ، والقمر تبين أنه صخري ترابي ، وكذلك ضوء الشمس يصدر عن جرم غازي مركب متفجر ملتهب بدرجات الحرارة الهائلة . فلا ضوء إذن يمكن أن يكون أصفى من نور يصدر عن كوكب دريٍّ من داخله وخارجه ، هكذا وصف الله تعالى له : { المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريّ .. } فلا أبهى ولا أصفى ولا أروع ولا أجمل ، ولا عجب فهو من نور الله ، تبارك وتعالى وعزَّ وجل.

هل في هذا الوصف لقلب المؤمن الموقن المخلص لله ، ثناء على المؤمن ؟ بلى ، لأن الله يقول الحق ، ومن أصـدق من الله قيلا ؟ ومن أصدق من الله حديثا ؟ فما دام الحق كذلك فهو من أجمل الثناء من مقام عزته سبحانه ومن مقام كرمه ورحمته ، وهنيئاً للمؤمنين أنوار الله ، المصابيح التي في صدورهم .

أما الزجاجة التي كأنها كوكب دري ، فهي في صدر المؤمن الموقن الواهب نفسه وكل كيانه لله عز شأنه . كناية عن ندرته بين الناس العاديين ، وعن صفائه وشفافيته وفوق ذلك كله عن قيمته المميزة عند الله . مقارنة مع الكثرة التي لا تفقه ولا تعي أو التي اتخذت نهج أصحاب الشمال ، أو التي قست قلوبها عن ذكر الله ، فأظلمت ووقعت في خزي الدنيا وعذاب الآخرة .

وصدر المؤمن الصِّديق ، كونه كأنه كوكب دريٌّ ، فهو لشفافيته ورقَّة نوره وصفائه ، مهبط أو مقام أو مزار للملائكة ، ملائكة الرحمة ، يقول تبارك وتعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحيواة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدَّعون . سورة فصلت آية 30 ـ 31 } .

والمؤمنون الموقنون ، فعلاً ، كأنهم كواكب دريَّة في الأرض ، ليس غيرهم يلوح للملائكة مضيئاً متألقاً ولأهل السماء . هكذا ، قلوب ذات جمال متوقد أخاذ ، كلما ازداد واحدهم من الله قرباً ولله حباً ، زاده الله نوراً وجمالاً وألقا . هذا في الدنيا ، أما في الآخرة ، فبحسبك قوله تبارك وتعالى : { وما تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } .

وإلا فما هو الشيء الذي مثَّل له الله عز وجل وقال فيه هذه الآيات النيرات ، إذا لم يكن الإسلام لله والإيمان بالله والعرفان بجميل الله وجمـاله وجـلاله ، وآثار نوره في الألباب وأولي الألباب ؟!...

فتاة الاسلام
08-01-2006, 04:43 PM
جزااك الله خيراا ووفقك لعمل الخير

نورا*
10-01-2006, 12:11 AM
*** بارك الله فيك ورعاك ***