|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() [center]
بعد الغياب [/center]منذ أيّام قليلة، كانت تعيش قانعة بنصيبها، لا همّ لها في دنياها سوى العناية بصغيرها وتربيته بعيدًا عن أجواء الماضي، ومفاجآت الحاضر، كانت تعدّه لحياة أفضل، ومستقبل آمن. لا حظته وهو ينمو بين يديها، وأمام عينيها، وبعين خيالها رأته يحقّق أحلامها، لم يكن في حسبانها حدوث شيء يعكّر صفو هذه الحياة البسيطة. ذلك الغائب المنسيّ، الّذي حاولت قدر إمكانها أن تبعد شبحه عن حياة ابنها.. عاد!!. بعد كلّ هذه السّنين عاد!.. مطالبًا بحقّه، وأيّ حقّ؟!!. سنوات سبع مرّت عليها، وحيدة، لا معين لها ولا سند، عاشتها على الكفاف والقلّة، والآن يعود، مطالبًا بها زوجة، وبولدا ابنًا!!. في لجة تفكيرها هذا؛ دخل عليّ مناديًا إيّاها بصوته الطّفوليّ: -أمّي، أين أنت؟. ومن غرفتها ردّت عليه بحنان: -أنا هنا يا حبيبي. اجتاز الغرفة بخطوات سريعة وانحنى على أمّه مقبّلاً ثمّ قال وعيناه تجولان في الغرفة ذات الأثاث البسيطة: -ما بالك جالسة هنا طوال الوقت؟، ألا تملّين من هذه الغرفة الرّطبة؟!. منحته ابتسامة حنونة يشوبها الحزن، وأجابته قائلة: -يا عزيزي، لقد جئت الآن من المشغل، قل لي، هل تناولت طعامك، أم تنتظرني؟. فردّ عليها: -وهل هذا يعقل يا أمّي؟، طبعًا أنتظرك. مرّت لحظة صمت، شرد خلالها عليّ بنظراته الحزينة فنبّهته أمّه وهي تقول بنبرة قلقة: -عليّ، ما بك؟. فردّ عليها قائلاً: -فقد... كنت أفكّر... أنّه... لو كان أبي موجودًا لكانت حالنا أفضل... ربّما... أليس كذلك؟. تنهّدت الأمّ وضمّته إلى صدرها وهي تقول: -يا بنيّ، لا تعد لمثل هذا القول، لقد أخبرتك بحقيقة ما بيني وبين والدك؛ كلي لا تصلك مشوّهة، لقد حاولت كثيرًا معه، ولكنّني فشلت. قبّل عليّ جبينها وهو ينهض، ثمّ قال بصوت جادّ: -ماضٍ وانتهى، هيّا انهضي لنتناول الغداء، هيّا. وسار أمامها، بينما هي تمشي متباطئة تراقبه، لقد صار رجلاً قبل أوانه، يتكلّم بحكمة ويتصرّف برزانة، أربعة عشر عامًا، هي كلّ عمره، لم يتمتّع خلالها بطفولته كما يجب، عاشها كاليتيم، وهي من جهتها حاولت أن تعوّضه حنان الأب ورعايته، فمنحته كلّ حبّها وحنانها وصار هو محور حياتها، ووقود كفاحها. بعد أيّام قليلة من لقائها الأوّل مع رياض، عادت والتقت به مرّة أخرى في زيارة مفاجئة قام بها إلى بيتها، كان اللّقاء الأوّل بعد ذلك الغياب قد تمّ أمام مقرّ عملها، وتخلّصت منه بسرعة، متجاهلة كلماته الخافتة المتوسّلة!!. ... الآن هاهو يقف أمامها بعد سنين من الغياب، عيناها الخاليتان من أيّ تعبير كانتا ترمقانه ببرود شديد. سألها بصوت منخفض حائر: -ألا يمكنني الدّخول؟. فردّت عليه ببرود متسائلة: -ماذا تريد؟. أجابها بإلحاح: -فقط، دعيني أدخل، على الأقلّ لنتكلّم براحة أكثر. ردّت عليه بصوت ساخر وهي تفسح له كي يدخل: -أيّة راحة؟، لقد كنت... في راحة.. ولكن حتّى هذه، انتزعتها منّي بمجيئك!. ارتفع صوته قليلاً وهو يقول: -زكيّة!، لنتكلّم بجدّ وعقلانيّة، دعيني أوضّح لك!. قاطعته قائلة: -أيّ إيضاح؟، وأيّة عقلانيّة هذه... الّتي تدعو إليها؟!. لقد سمحت لك بالدّخول فقط كي أقول لك أنّ كلّ شيء بيننا... قد انتهى، ولم يعد يربطنا ببعضنا أيّ شيء، اللّهمّ إلاّ قرابة.. قديمة.. لا أعتقد أنّ أيًّا منّا يبالي بها!!. ردّ عليها بسرعة قائلاً: -وعليّ، ابننا؟!!. وبسخرية مرّة قالت: -ابننا!!!، هه... وتقولها بكلّ جرأة؟!. اسمع، كلّ ما لديّ أخبرتك به، ولا أريد قولاً آخر في هذا الموضوع. وأمام إلحاحه، أدرات له ظهرها، وأسندت رأسها المتعب إلى حائط بقربها، بينما تابع رياض بإصرار حديثه قائلاً: -أعترف... بأنّي... أسأت إليك كثيرًا، ولكن صدّقيني، أنا نادم، نادم، وأطلب القليل... القليل من التّسامح. سادت فترة صمت بينهما، قطعها رياض قائلاً بنبرة واهنة متألّمة: -أعرف.. أنّني أطلب شيئًا.. صعبًا، بعدما تركتك.. وحيدة. عند ذاك رفعت زكيّة رأسها، وردّت عليه قائلة: -أمت لم تتركني فقط، بل أهنتني.. ورميت بي، في جحيم الذّلّ والحرمان، كنت صغيرة، لا خبرة لي، ومع ذلك، زوّجني أبي لك، أخفيت عنّا الحقيقة، وعندما عرفناها، طلب منّي أهلي.. الصّبر والتّغاضي، وصبرت، ولكن حقيقتك غلبت كلّ صبر عندي، وفي نهاية الأمر بقيت كما أنت، مزواج، مطلاق، ولكنّك فضّلت أن تكون نهايتي مختلفة، فلم تطلّقني، بل هجرتني، ورميت بي، كلعبة مللت منها، أو كقطعة أثاث، أصبحت بالية!!. وبينما هي تتحدّث، رفع رياض رأسه وقال بألم: -يكفي!!، هذا يكفي!، ما عدت قادرًا على الاستماع، أريد فقط أن... ولكنّها قاطعته بنبرة قاسية، قائلة: -ولا أنا بي طاقة على الحديث معك، وأيضًا.. ليس لديّ ما تريده!!، فأنا.. ما عدتّ زوجتك، وانس أنّ لك ابنًا منّي!.. رجاءً، اذهب الآن!. *** -لقد كان هنا!. فردّ الابن باستعراب: -من تعنين؟!. وبصوت.. بعيد.. هامس، قاتل: -والدك!!، كان هنا... نهض عليّ منتفضًا والذّهول يسيطر على ملامحه وردّ متسائلاً: -والدي؟!، أنا؟!، ومتى جاء من السّفر؟، وكيف هو؟.. وماذا يريد، و... في ثورة الأسئلة هذه قاطعته أمّه قائلة بصوت مرتفع قليلاً: -اهدأ.. واستمع إليّ، والدك جاء، أمّا متى.. فلا أعلم، ولا أريد!، وما يريده كثير.. كثير جدًّ!. سألها عليّ: -وماذا يريد؟.لر ردّت وهي تشيح بوجهها عنه: -يريدك أنت. فنظر إليها بعمق، وقال: -تقصدين أنا.. وأنت!!. وبتعجّب ممتزج بفخر، نظرت إلى ولدها الذي صار رجلاً، وقالت بتمهّل: -أنت هكذا.. لا يفوتك شيء. وبصوت ملحّ ردّ عليها متسائلاً: -وبم أجبته؟. وقبل أنت تحاول الرّدّ، رفع يده وقال: -لا داعي، عرفت، لقد.. رفضته.. ملامحك تقول ذلك!. وردّت عليه قائلة: -وماذا كنت تريدني أن أفعل؟. فسألها: -وماذا عنّي أنا؟، أليس من حقّي أن أراه؟، سبع سنوات عشتها مع ذكريات مشوّشة. ردّت عليه مستغربة: -أنت يا عليّ... تقول هذا؟!. أجاب بصوت واثق: -نعم، أنا، لقد تمنّيت كثيرًا أن يكون لي أب كبقيّة رفاقي، أعرف أنّه مطلب صعب، ولا أخفي عليك، فأنا أشعر بتمزّق بين شوق لأب، مجرّد أب، ونفور من شخص تركني طفلاً يتيمًا، وهو حيٌّ يرزق. عند ذاك قاطعته أمّه بقولها: -هذا يكفي يا بنيّ، إنّك تمزّقني، تفتّت كبدي، تحرقني، ماذا تريدني أن أفعل، أعود إليه؟!!. ردّ عليّ بسرعة قائلاً: -لا تفعلي شيئًا ضدّ رغبتك، لا أطالبك بشيء كهذا، ولكن فقط.. أريد أن أراه، أرى أبي، أليس هذا من حقّي؟. أجابت الأمّ بصوت حنون هادئ: -بلى، بلى.. يا بنيّ، من حقّك رؤية أبيك. بعد قولها قفز عليّ واقفًا، وقال وهو يقبّل جبين أمّه فرحًا: -كم أنت رائعة يا أمّي!، بل عظيمة!. أفتر ثغر الأمّ عن ابتسامة حزن... سرعان ما أخفتها، ثم احتضنت رأس وحيدها بين يديها وأغرقته بقبلاتها الدّافئة. في أمسية دافئة.. عزم عليّ على الخروج لزيارة والده، وكانت قد أعطته أمّه العنوان، وقبل أن يغادر، نادته قائلة: -عليّ!، لن تتركني وحيدة، أليس كذلك؟!. فردّ قائلاً: -كلاّ سأعود سريعًا. فقالت والخوف يسيطر على ملامحها: -أقصد، لن تتركني.. من أجله!. ترك عليّ قبضة الباب واتّجه نحو أمّه وضمّها إلى صدره قائلاً: -لا أحد يبعدني عنك، فأنت أمّي. وقبل أن يتركها أخذ يدها وقبّلها برقّة ثمّ خرج مسرعًا. *** -والآن، وقد عرفت أباك، ماذا تنوي أن تفعل؟. رفع عليّ بصره نحو أبيه وردّ قائلاً: -سألتني أمّي، هل سأتركها وحيدة؟، فأجبتها بالنّفي، فماذا عساي أقول لك؟. أعرف أنّ القانون والشّرع يخوّلانك المطالبة بي، ولكنّها أمّي!. كنت أتمنّى أن يكون لي بيت وأسرة طبيعيّة، ولكن... ولزم الصّمت وهو يهزّ رأسه أسفًا.. كئيبًا. والتقط والده خيط الحديث قائلاً: -ولكنّني هنا الآن، بجانبك، سأعوّضك، صدّقني بنيّ، فقط لو.. تقنع أمّك بعرضي. ردّ الابن بصوت متردّد: -لا أعتقد.. أنّها ستوافق. فأجابه والده بلهفة ورجاء: -فقط حاول إقناعها. *** وبلا مقدّمات قال لها: -هل حادثك عليّ في الأمر؟. فردّت قائلة: -نعم، أصبحت بعده.. صمّاء.. بكماء.. وفجأة انتفضت بقوّة والتفتت إليه بنظرات حادّة، وتابعت تقول بصوت مرتفع: -كم أودّ معرفة شعورك!. أنت ماذا؟!، أليس لديك ضمير يردعك عن تعذيبي؟... فقاطعها بقوّة قائلاً: بلى، ولولا تأنيب الضّمير.. والمعاناة، ما وجدتني هنا... ثمّ انخفض صوته وهو ينظر إليها برجاء وتابع قوله: -لقد عانيت، عانيت كثيرًا، كانت الغربة قاسية جدًّا، سرقت شبابي، أضاعتني، الشّيء الوحيد الّذي منحته لي، إحساسي بالذّنب نحوك، ونحو طفلي، الّذي رميت به للحرمان، انجرفت خلف أهوائي وتركتما. لست أدري ماذا أقول؟!. وأنا في غمرة الذّلّ والهوان.. تراءى لي طيفك، شعرت حينئذ بالضّعف، واللاشيء!!، فهل تفهمين معنى هذا الشّعور؟!، أن تكون.. لا شيء!!. رفعت زكيّة عينيها الدّامعتين نحوه وقالت: -نعم... أفهم شعورك جيّدًا، وأقدّره، ولكن ما تطلبه منّي، يفوق طاقتي، لقد تعرّضت لعدّة مواقف من أهلي.. تفرض عليّ حياة أخرى، بعيدًا عن وحيدي، الّذي يهدّد أهلك بأخذه منّي،والله وحده يعلم مدى معاناتي، والثّمن الّذي دفعته مقابل رفضي، هه.. في النّهاية.. تخلّى الجميع عنّي... وبقيت أحيا لولدي، وبولدي!. سكتت لبرهة قصيرة، طرأت خلالها فكرة لها، فتابعت تقول: - اسمعني، أنت تريد متابعة ولدك، والاطمئنان عليه، أليس كذلك؟. فردّ قائلاً: -بلى، ولكن ماذا تعنين؟. أجابت: -بإمكانك مساعدته؛ كي يكمل تعليمه، وأنا.. لن أرفض أن... يكون لولدي أبٌ... يفخر به، رغم كلّ شيء. قال وملامح الفرحة تملأ وجهه: -أشكرك من أعماقي، لقد منحتني فرصة للحياة، للشّعور بذاتي، أن يكون للمرء أهل يسهم في إسعادهم لهو شيء رائع، وأنت... وهنا قاطعته قائلة: -وأنا، سأكن الأخت الّتي يسرّها... سؤال أخيها عنها. خفتت اللّهفة في صوته وهو يقول: -هل هذا كلّ شيء الآن؟. فردّت، محاولة التّخفيف من كبريائها: -الآن، وكلّ آن يا رياض. فرجاها قائلاً: -ولكن، لن ترفضي أن أنفق عليكما، وأمنحكما.. مسكنًا أفضل؟!. أجابته بصوت هادئ: -رياض، دع ما تفكّر به جانبًا، وانتبه لولدك، هو كلّ ما يعنيني، وبالنّسبة لي ولك... قطرة ماء تبلّ الظّمأ.. خير من سيل يجرف كلّ شيء، فدعنا أقارب، وإخوة، خير لي.. ولك. أحنى رياض رأسه أمام هذا الكلام، وفي هذه الأثناء؛ دخل عليّ، وفوجئ بوجود والده، فنظر متسائلاً، ثمّ قال: -هل قطعت حديثكما؟. فردّت الأمّ: -كلاّ يا بنيّ، والدك أراد الاطمئنان عليك. وافقها رياض بقوله: -نعم يا بنيّ، والآن وقد رأيتك بخير، سأذهب. قال عليّ: -وهل اتفقتما على شيء؟. كانت اللّهفة بادية عليه وهو ينقل النّظرات بينهما، فنظر الأب نحو الأم الّتي ردّت مطمئنة إيّاه: -نعم يا بنيّ، اتّفقنا على أن تكون لك حياة أفضل من حياتنا نحن، ووالدك.. لك الحقّ في زيارته، متى شئت، أو متى شاء يأتي هو لزيارتك. بعد هذا القول، استدار الأب مغادرًا المنزل، وقبل خروجه، تردّد قليلا.. ورمق ابنه بنظرة حنان ممزوجة بندم عميق، ثمّ مدّ يده نحوه وضمّه إليه، وخلال ذلك، نظر نحو زكيّة وهو يفكّر، كم كان غبيًّا.. عندما استبدل هذا الفردوس الصّغير.. بجحيم الأهواء.. والملذّات العقيمة. – تمّت –
__________________
![]() |
#2
|
||||
|
||||
![]() والله تعبت من القراءة
بوركت غاليتي ![]() حبذ لو يختصر الاخوة والخوات حتى لا يمل القارىء
__________________
![]() |
#3
|
||||
|
||||
![]() ممتعة للغاية بارك الله فيكِ مميزتنا الحبيبة وفى قلمك ننتظر عودتك بكل شوق
__________________
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() . اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
#4
|
||||
|
||||
![]() بوكت اختي عاى الطرح المميز...
![]()
__________________
![]() |
#5
|
||||
|
||||
![]() عذراً لإتعابك ومشكورة على المرور اللطيف
__________________
![]() |
#6
|
||||
|
||||
![]() بوركت أخيتي وسام أنا أيضاً اشتقت إليكم كثيراً
__________________
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |