المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة { يُحْـكَــى أَنَّ } للدكتورة لينا الحمصي


أمة_الله
15-07-2010, 06:23 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أجمل البرامج التي أعجبتني واستفدت منها
وتعرفت فيها على شخصيات، أحداث وأعلام من تاريخنا العريق

برنامج كان يعرض في قناة الرسالة

{ يُحْـكَــى أَنَّ }

للدكتورة لينا الحمصي
جزاها الله خير ونفع بها وبعلمها

لذلك بإذن الله سأقوم بتخصيص صفحات هذا الموضوع
لعرض نصوص جميع حلقات البرنامج
وأتمنى لي ولكم الاستفادة

دمتم بكل خير

أمة_الله
15-07-2010, 06:29 PM
بائعة اللبن


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم إخوتي وأخواتي
بدأت هذه القصة في ليلة من ليالي الشتاء الباردة الحال حين أوى الناس إلى مضاجعهم يلتمسون الدفء والراحة .
في هزيع متأخر من تلك الليلة خرج أمير المؤمنين عمر من داره يجوب طرقات المدينة المنورة حارساً لأمن المدينة راعياً لشؤونها .
طال تطواف عمر في ذلك الليل البهيم واستولى عليه التعب فوقف يستريح وكان قد أسند ظهره إلى جدار إحدى الدور .
ترام إلى سمعه صوت صاحبة الدار تنادي ناوليني الماء يا ابنتي لأمزجه باللبن .
أجابتها الفتاة : كيف تمزجين اللبن بالماء يا أماه ألم تسمعي أن أمير المؤمنين عمر نهى عن ذلك ؟
قالت الأم بغيظ وقد أضجرها جدال ابنتها :
وأين عمر الآن إنه لا يرانا ولا يدري بنا في هذا الوقت المتأخر من الليل .
أجابتها الفتاة بصوتٍ خاشع : إن كان عمر لا يرانا أفلا يرانا رب عمر.
ترقرقت الدموع في عيني عمر وهو يسمع جواب تلك الفتاة .
عندما انبلج الصباح وارتفعت شمس الضحى دعى عمر ابنه عاصم وكان قد بلغ مبلغ الشباب وحدثه بقصة الفتاة وقال له اذهب يا بني فتزوجها فما أراها إلا مباركة ولعلها تلد رجلاً يسود العرب .
تزوج عاصم تلك الفتاة الفقيرة الورعة واسمها أم عمارة بنت سفيان ابن عبد الله .
لم تخب فراسة عمر في أم عمارة .
أنجبت أم عمارة لعاصمٍ ابنتين حفصة وليلى وتكنى أم عاصم وعكفت على تنشئتهما تنشئة صالحة .
وعندما بلغت ليلى سن الشباب طرق بابهم عبد العزيز ابن مروان خاطباً إياها وكان من أمراء بني أمية المعروفين .
لم يكن عبد العزيز ابن مروان يبحث عن الفتاة الثرية الجميلة ذات الجاه والمنزلة بل كان يبحث عن ذات الدين والخلق ووقع الاختيار على ليلى بنت عاصم ابن عمر بن الخطاب.
تزوجت ليلى عبد العزيز ابن مروان وأنجبت له ولداً أسمته عمر تيمناً بجده عمر بن الخطاب .
أرضعت ليلى عمر ابن عبد العزيز تقوى الله ومراقبته وحبه خشيته حتى باتت كل ذرة فيه تخشع لجلالة الله وتستشعر عظمته .
يحكى أن عمر بن عبد العزيز كان ما يزال صبياً صغيراً حين حفظ القرآن الكريم فدخلت عليه أمه أم عاصم يوماً فوجدته يبكي فقالت له ما يبكيك يا بني .
قال لا شيء يا أماه ذكرت الموت فرق قلبي .
يحكى أن شجرة أصابت عمر بن عبد العزيز في جبينه حين كان صغيراً فلقد دخل إسطبل الخيل على حين غرة من أمه فلمحته إحدى الدواب فشجته في جبينه .
أسرعت أم عاصم إلى صغيرها فزعة وضمته إلى صدرها بحبٍ وحنان ومسحت الدم عن جبينه ثم أقبلت على زوجها عبد العزيز تلومه أن لم يجعل للإسطبل قفلاً يمنع الصغير من الاقتراب .
نظر عبد العزيز في وجه صغيره عمر ثم اقترب منه وعانقه وهو يبستم ويقول إن تكن أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد.
سألته ليلى لماذا وماذا تعني بأشج بني أمية ؟
ذكرها عبد العزيز برؤية رآها جدها عمر بن الخطاب يوماً فاستيقظ فرحاً وهو يقول رأيت فتى أشج يولد لبني أمية من ولدي يسمى عمر ويسير بسيرة عمر ويملأ الأرض عدلاً .
أثبتت الأيام القادمة صحة فراسة عمر مرتين .
المرة الأولى حين قال لابنه عاصم عن تلك الفتاة بائعة اللبن اذهب يا بني فتزوجها فما أراها إلا مباركة ولعلها تلد رجلاً يسود العرب وفعلاً كان امرأة مباركة ولدت رجلاً ساد العرب .
والمرة الثانية عن أشج بني أمية فقد كان عمر ابن عبد العزيز ذاك الأشج الذي عين خليفة على المسلمين فمشى بين الناس بسيرة جده في العدل والرحمة والرأفة والذهب والتواضع فكان هذا الشبل من ذاك الأسد .
قال تعالى في كتابه الكريم {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } (221) سورة البقرة .
ويقول صلى الله عليه وسلم (( تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوهم )).

إخوتي وأخواتي أودعكم في نهاية قصتنا على أمل اللقاء بكم بإذن الله تعالى في قصةٍ أخرى من يحكى أن والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمة_الله
16-07-2010, 02:42 PM
سيد قومه "الأحنف بن قيس"


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بكم أخوتي وأخواتي في برنامجنا القصصي "يحكى أن"
قصتنا اليوم تتحدث عن رجل عظيم وصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه سيد قومه، ذات يوم قدم وفد من العراق إلى المدينة المنور في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان بين الوفد رجل صغير الرأس متراكب الأسنان معووج الذقن أعور العين أحنف الرجلين أن مائلهما قصير القامة دميم الوجه اقترب الوفد من دار الخلافة وسأل عن أمير المؤمنين عمر فأجابهم خادمهم إنه هناك في مبارك إبل الصدقة توجه الوفد إلى حيث أشار الخادم وهم يتوارون من حر الشمس المحرقة بظلال الأشجار والدور كان عمر حين دخلوا عليه مشمراً عن ساعديه وأمامه قسط من القطران يغمس فيه يديه ثم يدهن به جملاً أمامه نظر إليهم ورحب بهم ثم ابتسم لذلك الرجل الأعور الأحنف الدميم وقال له يا أحنف دع ثيابك وهلم فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه من إبل الصدقة من حق اليتيم والأرملة والمسكين تقدم الأحنف من أمير المؤمنين وشاركه بمهمته الشاقة ووجهه يشرق بالبشر والسرور بهت القوم من هذا فقد توقعوا أن يجدوا أمير المؤمنين يعد إبل الصدقة أن يتفحصها أو يشرف على من يخدمها لكنه لم يتوقعون أبداً أن يجدوه على هذه الهيئة الرثة يقوم بهذا العمل المتعب الصعب بنفسه قال أحدهم معاتباً .
يغفر الله لك يا أمير المؤمنين هلا أمرت عبيداً من عبيد الصدقة فيكفيك هذا أجابه عمر وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف من ولي من أمور المسلمين شيئاً وجب عليه ما يجب على العبد لسيده في النصيحة وأداء الأمانة كان الأحنف يسمع هذا الكلام مسروراً فيكفيه شرفاً أن ساوى أمير المؤمنين بين نفسه وبين الأحنف فمن هو هذا الأحنف.
إنه الأحنف بن قيس التميمي لم يكن اسمه الأحنف بل الضحاك بن قيس ولكنه لقب بالأحنف لميل وتقوس ظاهر في رجليه ثم غلب لقبه على اسمه فصار يعرف به ولد الأحنف في السنة الثالثة قبل الهجرة في بني تميم من أراضي نجد ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم داعية من أصحابه إلى بني تميم ليدعوهم إلى الإسلام ترددوا في قبوله فبادرهم الأحنف بالنصيحة وكان حدث السن فأسلموا وأسلم الأحنف غير أنه لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يحرم من رضاه عنه ودعائه له قائلاً اللهم اغفر للأحنف كان ذلك عندما أخبره ذلك الداعية بما فعل الأحنف عندما نصح قومه بالإسلام كان الأحنف أحد حلماء العرب الذين يضرب بحلمهم المثل ومما يحكى عن حلمه أنه كان يمشي مرة في أزقة البصرة فتعرض له أحد الحمقى وجعل يشتمه ويسخر من عور عينه وحنف رجليه فلم يبتعد الأحنف بل سار في طريقه والرجل يمشي ورائه وهو مستمر في شتائمه وسخريته فلما اقتربا من الناس وقف الأحنف وقال للرجل إن بقي من كلامك شيء لم تقله بعد فقله الآن فإنه قومي إذا سمعوك تقول ما تقول أصابوك بالأذى لم تكن إعاقة الأحنف الجسدية التي ذكرناها أن تمنعه من أن يمتلك من المواهب ما أهله لأن يكون سيداً في قومه كان الأحنف رغم حلمه العظيم ذا مواقف فذة في مواطن صعبة محرجة .
يحكى أنه قدم مرة على إحدى خلفاء بني أمية زائراً فجرى بينهما محاورة كلامية فاستفز الخليفة الأحنف فقال له الأحنف والله إن القلوب التي أبغضناك بها ما تزال بين جوارحنا وإن السيوق التي قاتلناك بها ما كفأت في أيدينا وإن تدني من الحرب فكرً ندني منها شبراً وإن تمشي إليها مشياً نمضي إليها هرولة والله ما حملتنا إليك رغبة في عطاءك أو رهبة من جفائك بل إنما لرأب الصدع ولم الشمل وجمع كلمة المسلمين ثم استدار الأحنف وخرج من المجلس فقال أحد الوجهاء للخليفة مستغرباً من هذا الذي يتهدد الخليفة ويتوعده في عقر داره فتنهد الخليفة وقال هذا الذي إذا غضب غضب له مئة ألف في بني تميم لا يدرون فيما غضب رحم الله الأحنف صاحب العقل الراجح والهمة العالية والموقف المبدعة والنفس الخاشعة ورضي الله عنه وأرضاه

أمة_الله
16-07-2010, 02:45 PM
دواب البريد

في جعبتي قصصٌ عظيمةٌ سأتحدث فيها عن ورع الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز من خلال عددٍ من اللقطات .

اللقطة الأولى :
يحكى أن عمر بن عبد العزيز أراد الاغتسال في إحدى ليالي الشتاء الباردة من أجل الصلاة فجاءه خادمه بماءٍ ساخن فسأله الخليفة الورع أين سخنته ؟ أجابه في مطبخ بيت مال المسلمين فأحمر وجه الخليفة وقال لخادمه نحه عني وإليَّ بماءٍ باردٍ أغتسل به فخاف الخادم المخلص على صحة الخليفة من الماء البارد في الجو البارد فهتف به متضرعاً أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن ترفق بنفسك وإن كان لابد فاغتسل بالماء الساخن وعوض بيت مال المسلمين بقيمة ما أنفق في تسخينه .
اقتنع الخليفة بهذا الكلام المنطقي بماء سخن في مطبخ بيت مال المسلمين على أن يعوض بيت المسلمين قيمة تسخينه.

اللقطة الثانية :
أتي عمر يوماً بمسكٍ من مال الفيء ومال الفيء هو المال الذي يغنمه المسلمون دون قتال مدّ يديه ليتفحصه ثم أمر به فرفع حتى يباع ويودع ثمنه بيبيت مال المسلمين لم يعير عمر اهتماماً بالمسك وبينما كان يكمل حديثه مع كاتبه شم رائحة شذيةً تفوح من يديه فقربهما من أنفه فإذا هي رائحة المسك الذي أوتي به من فيء المسلمين شعر عمر بأن يديه تحملان ماءً حراماً ففار الدم في وجهه وأمر خادمه أن يحضر ماءً فتوضأ وفرك يديه وهو يستغفر الله تعالى ويلوم نفسه أن أصاب من مال المسلمين مغنماً من غير قصدٍ منه ولا شعور .
أخذت الدهشة كاتبه وقال له مستغرباً : ما الذي أصبت منها يا أمير المؤمنين حتى تتوضأ فإنك لم تأخذ من المسك شيئاً فقطب الخليفة المؤمن جبينه وأجابه مستنكراً : عجباً لك يا ليث وهل ينتفع بالمسك إلا برائحته هل يؤكل المسك أو يشرب .....

اللقطة الثالثة :
كان عمر يقسم تفاحاً من فيء المسلمين بين مستحقيه حين دخل ابنه الصغير إلى المكان وقد أغراه مظهر التفاح فأمسك تفاحةً وردية اللون ثم وضعها في فمه الغض الطري .
انتبه أبوه لذلك واتجه نحوه وقد اصفر لونه فولده يوشك أن يأكل مالاً حراماً جذب عمر التفاحة برفقٍ وهو يبتسم وقال له : اذهب إلى أمك فإن عندها تفاحاً أطيب عاد الطفل إلى أمه باكياً ويده تشير إلى التفاحة الشهية وعيناه تنظران إليها بشهوةٍ ورغبة .
بعد أن انتهى عمر من عمله دخل حجرته فوجد ابنه يمسك تفاحةً وردية فتوجه إلى زوجته فاطمة بنت عبد الملك وسألها : هل أخذ ابننا شيئاً من تفاح الفيء يا فاطمة ؟
فأجابته مطمئنة لا لكن أحزنني بكاؤه فأرسلت الخادم فاشترى له تفاحة من السوق .
نظر الخليفة الورع إلى زوجته فاطمة ثم حول نظره إلى ابنه بحنان ثم قال بصوتٍ متهدج :
والله لقد انتزعتها منه كأنما انتزعتها من قلبي لكني كرهت أن أضيع نصيبي من الله عز وجل في تفاحةٍ من فيء المسلمين .

اللقطة الرابعة :
يحكى أن عمر طلب من زوجته عسلاً لكن العسل لم يكن متوفراً في الدار حزنت فاطمة أن يشتهي زوجها شيئا ًولا يجده وهو الذي منذ استلم أعباء الخلافة لم يشتهي شيئاً فأرسلت خادمها على جناح السرعة إلى السوق ليأتيها بالعسل الذي يحبه زوجها الحبيب أمير المؤمنين .
أتي عمر بالعسل فسأل زوجته من أين لنا هذا العسل ؟
أجابته بعثت الخادم إلى السوق على دواب البريد فاشترى وعاد على جناح السرعة .
اقشعر جسد الخليفة وقال محتداً أقسمت عليكِ يا فاطمة أن تأتيني بالعسل فتناول الخليفة قصعةً من العسل بيد فاطمة ونادى خادمه قائلاً اذهب بها إلى السوق فبعها ثم اجعل في بيت مال المسلمين قيمة ما حمل على دواب البريد فدواب البريد لم تجعل لهذا ثم حول وجهه إلى زوجته فاطمة ثم قال بلهجةٍ حازمةٍ مؤنبة :
يا فاطمة أنصبت دواب المسلمين لقضاء شهوة عمر .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( خير دينكم الورع )) ويقول (( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس )).

أمة_الله
16-07-2010, 02:50 PM
قل آمنت بالله ثم استقم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً وسهلاً بكم أخوتي وأخواتي مع قصة جديدة في يحكى أن سأروي لكم قصتين متناقضتين :

الأولى منهما لرجل كلما غمس في المعاصي ندم وتاب ولكنه ينكث التوبة ويعود إلى فعل المعاصي والثانية لعاص تاب وأناب وحسنت توبته .

يحكى أن تلميذاً من تلاميذ الواعظ منصور بن عمار البصري مرض مرضاً شديداً وكان هذا التلميذ معروف بكثرة عبادته وتهجده وبكائه عندما دخل مصور بن عمار على تلميذه ليعوده وجده أزرق الوجه أسود العينين يبدوا عليه مظهر أهل الفسق والشقاء قال له منصور يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله فقال الرجل بصوت يغالب البكاء والندم يا سيدي هذه كلمة حيل بيني وبينها فاستغرب منصور ذلك وقال له أين ذلك الصيام والقيام والصلاة والتهجد فقال الرجل كان ذلك لغير وجه الله كمنت أفعل ذلك ليقال عني رجل صالح فإذا خلوت بنفسي أغلقت الباب وأخرجت السكور وشربت الخمور وبارزت ربي بالمعاصي بقيت على ذلك مدة ثم أصابني مرض شديد وأشرفت على الهلاك فنويت التوبة وأمسكت بالقرآن الكريم أقرأه فلما وصلت إلى سورة يس قلت يا رب أسألك بحق هذا القرآن العظيم أم تشفيني لن أعود أبداً ففرج الله عني وشفاني فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من عصيان الله تعالى والانغماس في الملذات والمراءاة وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي وبقيت على ذلك مدة من الزمان فمرضت مرة ثانية مرضاً شديداً أشرفت فيه على الموت ففعلت مثل ما فعلت أول مرة دعوت الله وتضرعت إليه وعاهدته على التوبة والاستقامة فشفاني الله فلما اشتد عودي وقويت همتي عدت لما كنت عليه من المعصية ونسيت عهدي مع الله فلما وقعت في مرضي هذا دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي منه حرف واحد وكأن صفحاته ممحو منها كل ما فيها فعلمت أن الله تعالى غضب علي فرفعت رأسي إلى السماء وقلت يا جبار السموات والأرض بحرمة هذا المصحف فرج عني فسمعت هاتفاً يقول لي :

تتب من الذنوب إذا مرضت وترجع للمعاصي إن برأت
إذا ما الضر مسك أنت باك وأخبث ما تكون إذا قـويـت
وكم عاهدت ثم نقضت عهداً وأنت لكل معروف نسيـت
فـدارك قـبـل نـقلـك مـن ديـارك إلى قبر إليه قد نـعيـت

فخرج منصور بن عمار من عنده والعبرات تملأ عينيه وهو يقول اللهم ارزقنا حسن الخاتمة اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وهو يقول الأشهاد.

***

أما القصة الثانية فتقول يحكى أن عاصياً أتي إلى الرجل الصالح إبراهيم بن الأدهم وقال له يا أبا اسحق إني مسرف على نفسي فاعرض علي ما يكون لها زاجراً وناصحاً قال إبراهيم إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لن تضرك المعصية فافعل ما تشاء قال الرجل هذا عظيم هات يا أبا اسحق قال أما الأولى إن أردت أن تعصي الله فلا تأكل رزقه قال الرجل متعجباً ومن أين آكل إذاً وكل ما في الأرض من رزق الله فقال له يا هذا أيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه قال لا معك حق هات الثانية قال يا إبراهيم إذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن في بلاده قال الرجل وهذه أعظم من الأولى أن أسكن إذا وكل الدنيا بلاد الله أجاب إبراهيم يا هذا أيحسن بك أو تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه قال لا هات الثالثة قال إبراهيم إذا أردت أن تعصي الله وأنت تأكل رزقه وتسكن بلاده وأرضه فاعصه في مكان لا يراك فيه قال كيف يكون هذا والله يعلم السر وأخفى أجاب إبراهيم يا هذا أيحسن بك أن تأكل رزقه وتسكن أرضه وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به من المعصية قال لا هات الرابعة قال إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أنظرني حتى أتوب وأعمل صالحاً قال الرجل ولكنه لا يقبل ذلك يا إبراهيم إذا كنت لا تقدر أن تأخر الموت عن نفسك حتى تتوب فكيف تعصي الله طأطأ الرجل رأسه وقال بصوت حزين هات الخامسة يا إبراهيم قال إذا جاءتك ملائكة العذاب يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم اهرب منهم تمرد عليهم دمعت عينا الرجل وقال بصوت تخنقه العبرة كيف أفعل هذا يا إبراهيم والله تعالى يصف أولئك الملائكة بأنهم غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون قال إبراهيم وكيف ترجو النجاة وأنت مثابر على المعاصي غطى الرجل وجهه بكفيه المرتجفتين وقال حسبي حسبي يا إبراهيم أستغفر الله وأتوب إليه أستغفر الله وأتوب إليه تاب هذا الرجل بعد الحديث مع إبراهيم بن الأدهم وحسنت توبته ومات وهو على حال طيب من الصلاح والله أعلم بالعباد .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قل لي في الإسلام قول لا أسأل عنه أحد بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم

أمة_الله
16-07-2010, 02:55 PM
عطاء بن أبي رباح


أهلاً وسهلاً بكم أخوتي وأخواتي مع قصة جديدة من يحكى أن قصتنا اليوم تتحدث عن رجل أفطس الأنف أسود اللون أشل اليد والقدم أعور العين ولكنه رجل عظيم يستحق منه أن نتوقف عند حياته ومآثره وقفة تليق به فمن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يهزم المرض والضعف واليأس وأن يكون رمزاً من رموز الإسلام إنه التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح كان عطاء عبداً مملوكاً لامرأة صالحة من أهل مكة وكان يحب العلم ويحرص على حضور مجالس العلم في الحرم المكي منذ نعومة أظفاره وقد قسم وقته إلى ثلاثة أقسام قسم يقوم به بواجباته تجاه سيدته وقسم يفرغ فيه لعبادة ربه وقسم يطلب فيه العلم وينهل من معين صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نهل فعلاً من هذا النعيم حتى امتلأ صدره علماً وفقهاً عندما رأت السيدة المكية الصالحة ما يفعله عبدها التقي أعتقته رجاء أن ينفع به الإسلام والمسلمين ومنذ ذلك الوقت باع عطاء نفسه لله تعالى فاتخذ من البيت الحرام مقام له كما قال المؤرخون افترش عطاء المسجد الحرام نحو عشرين عاماً بلغ عطاء مرتبة عظيمة من العلم والفقه حتى أصبح مفتي مكة.
يحكى أن امرأة أرسلت لعبد الله بن عباس رضي الله عنه تستفتيه في مسألة شرعية فقال ابن عباس يا أهل مكة أتجتمعون علي وعندكم عطاء بن أبي رباح, ذاعت شهرة عطاء في الفتوى حتى بلغت أقصى البلاد الأمر الذي جعل الخليفة سليمان بن عبد الملك يأمر من ينادي في موسم الحج لا يفتي الناس في هذا المقام إلا عطاء بن أبي رباح فإن لم يوجد فعبد الله بن أبي نجير..
يحكي أن سليمان بن عبد الملك حج مرة إلى بيت الله الحرام فسأل حاجبه عن عطاء بن أبي رباح فدله عليه فاتجه إليه الخليفة ومعه ولداه ورجال حاشيته وكان عطاء يصلي أمام الكعبة الشريفة ودموعه تنسكب على خديه والناس حوله تنتظر حتى يستفتونه جلس الخليفة سليمان ينتظر إمام أهل مكة وعندما انتهى عطاء من صلاته سلم على الخليفة يسأله عن مناسك الحج منسكاً منسكاً وعطاء يجيب عن كل ذلك بإفاضة وتفضيل انتهت أسئلة الخليفة وشكر الإمام واستأذن منصرفاً سأله ولده باستغراب من هذا الرجل يا أبتي أجابه سليمان هذا الذي رأيته يا بني ورأيت ذلنا بين يديه هو عطاء بن أبي رباح صاحب فتية المسجد الحرام صمت سليمان قليلاً ثم أردف يقول لولديه يا بني تعلموا فبالعلم يشرف الوضيع وينبه الخامل ويعلو الأرقاء على مراتب الملوك..
أقلبت الدنيا على عطاء ولكنه أعرض عنها وآثر أن يكون المسجد الحرام داره وفراشه ولحافه كان عطاء يقوم بدور العالم في نصح أولي الأمر وكان لكلامه ونصحه لهم أثره الإيجابي في نفوسهم يحكى في هذا أن أنه دخل على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في موسم الحج وكان هشام جالساً على السرير وحوله الأشراف والوجهاء فلما رأى هشام مفتي مكة عطاء بن أبي رباح يدخل عليه قام إليه وسلم عليه أراد عطاء أن يجلس حيث جلس القوم ولكن الخليفة جذبه برفق وهو يقول ها هنا ها هنا حتى أجلسه معه على سريره ومس بركبتيه ركبتيه ثم سأله متودداً ما حاجتك يا أبا محمد قال عطاء يا أمير المؤمنين أهل الحرمين أهل الله وجيران رسوله تقسم عليه أرزاقهم وأعطياتهم .
فقال الخليفة: نعم حباً وكرامة ثم نادى حاجبه قائلاً اكتب لأهل المدينة حاجاتهم وأرزاقهم لسنة كاملة ثم التفت إلى عطاء وقال هل من حاجة غيرها يا أبا محمد قال عطاء نعم يا أمير المؤمنين ألا يكلف أهل الذمة من اليهود والنصارى الذين يعيشون في بلاد المسلمين بما لا يطيقون فقال الخليفة يا غلام اكتب ألا يكلف أهل الذمة بما لا يطيقون ثم قال هل لك من حاجة غيرها يا أبا محمد قال عطاء نعم يا أمير المؤمنين اتق الله في نفسك واعلم أنك خلقت وحدك وأنك تموت وحدك وأنك ستحشر وحدك وتحاسب وحدك وما معك ممن ترى من هؤلاء أحد فبكى هشام حتى بل لحيته بدموعه خرج عطاء من مجلس الخليفة حتى استأذن بالانصراف فتبعه رجل بكيس فيه مال وهو يقول إن أمير المؤمنين قد بعث لك بهذا فقال له بلطف هيهات هيهات قل للخليفة وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين, عاش عطاء حتى بلغ المئة عام سنوات طويلة ملأها بالعلم والعمل والبر التقوى .
قال الإمام الأوزاعي مات عطاء حين مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس .
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنى الناس عليها خيراً فقال وجبت ثم مر عليه بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال وجبت فقيل يا رسول الله قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت فقال من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض .

أمة_الله
16-07-2010, 02:57 PM
علي السجاد


قصتنا هذه تتحدث عن التابعي علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين .
تبدأ القصة عند الشاه زينان بنت يزدجر ملك الفرس وكانت من السبايا الذين ظفروا بهم المسلمون في حربهم على الفرس أسلمت شاه زنان وسميت غزاله وتزوجت الحسين بن علي رضي الله عنهما وأنجبت له طفلاً جميلاً سماه علياً تيمنا بجده الصحابي الجليل علي بن أبي طالب.
توفيت غزالة وابنها علي ما يزال رضيعاً فأشرف أبوه الحسين على تربيته وعندما بلغ الطفل سبع سنوات أرسله والده الحسين إلى مسجد جده الرسول محمد بن عبد الله ليتعلم من صحابته الكرام القرآن الكريم والسنة الشريفة .
شب علي بن الحسين على حب الصلاة وكان إذا توضأ ارتجف جسمه فسـأله أحد أقرانه يوماً لم ترتجف عند الوضوء يا علي .
أجابه لأني سأناجي بعد قليل رباً عظيماً خلق السموات والأرض وما بينهما أليس حرياً بي أن أتهيأ لمخاطبة هذا الرب العظيم . كان علي يطيل صلاته وسجوده لأنه كان يجد راحته في السجود ويشعر أنه ساجد بين يدي لرحمن الرحيم وقد ترك طول سجوده علامة على جبينه حتى شاع بين الناس تسميته بعلي السجاد كما لقب أيضاً بزين العابدين لكثرة ما كان يحب العبادة والتقرب إلى الله تعالى بجميع أنواع الطاعات كان علي زين العابدين حسن الخلق يساعد محتاجهم يعين ضعيفهم ويعطف على صغيرهم ويوقر كبيرهم كان يتسامح مع من يسيء إليه يحكى في هذا أنه كان خارجاً مرة من المسجد النبوي فتبعه أحد المأجورين الحاقدين يسبه ويشتمه فاغتاظ الناس من ذلك الشاتم لابن بنت رسول الله فهرعوا إليه يريدون تأديبه ولكن علياً كان أسبق منهم إليه فصاح بالناس يأمرهم أن يكفوا عنه ثم تقدم منه فقال لقد سببتنا بما علمت وما ستر عنك من أمرنا أكبر وهذا لا شك تواضع من زين العابدين وإلا فأي ذنوب يمكن لهذا السجاد أن يرتكبها ثم ابتسم في رجه شاتمه وقال له ألك حاجة يا أخي حتى أعينك على تحصليها لمن يجب ذلك المأجور الحاقد بشيء فقد عقدت الدهشة لسانه فاقترب منه زين العابدين واقتلع كساءً كان يلبسه فوق ثيابه وألقاه على كتفي الرجل قائلاً هذا هدية لك مني يا أخي .
لا شك أن زين العابدين تذكر في هذا الموقف قول الله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوه كأنه ولي حميم ).

عمل علي زين العابدين في التجارة وبارك الله سبحانه وتعالى في تجارته فكانت تدر عليه الأرباح الكثيرة وبذلك جمع بين العبادة والعمل وكان ينفق من المال الذي أعطاه الله إياه على الفقراء والمحتاجين وقصته مع الإنفاق على الفقراء قصة غريبة عجيبة كان إذا جاء اللي تلثم وحمل أكياس الدقيق وأنواع الطعم على ظهره وخرج خلسة عن أعين الناس فجال أحياء المدينة ليضع أكياس الدقيق على أبواب الفقراء ثم يطرق الباب ويفر دون أن يراه أحد . شاع أمر هذا المتلثم الجواد على كل لسان وتمنى الجميع أن يعرفوا من هو ولكن حرص السجاد على كتمان الأمر حتى عن أقرب المقربين إليه أبقى هذا الأمر في طي الأسرار حتى إذا مات علي السجاد عرف الناس أنه صاحب اللثام ولكن يكف عرفوا ذلك هل كشف السر هذا الملثم أـحد أو أشاعه الحقيقة أن الناس عرفوا هوية المتلثم من أمرين .
أولها أنه اختفى منذ أن وري السجاد الثرى وثانيهما آثار سواد تركها حمل الأكياس على شق السجاد الأيمن من الخلف رآه كل من حضر غسله بعد أن مات .
عرف الناس كلهم أن السجاد هو ذلك الملثم الذي كان يطرق الأبواب ويضع الطعام ولهجت ألسنة الناس رحمك الله يا سجاد رحمك الله يا زين العابدين ورحم أباك الحسين وجدك علي وصلى الله على جدك محمد أزكى الصلاة وسلم أتم السلام يقول الله في كتابه العزيز (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين).

أمة_الله
16-07-2010, 03:01 PM
محمد بن سيرين

سأتحدث في هذه القصة عن تابعي جليل يدعى محمد بن سيرين البصري وسأبدؤها من يوم سيق محمد بن سيرين إلى السجن لأنه عجز عن وفاء مبلغ من المال كان في ذمته لأحد التجار كان محمد بن سيرين تاجر فاشترى يوماً من تاجر كمية كبيرة من الزيت على مبلغ مؤجل الدفع فلما فتح إحدى خوابي الزيت وجد فيها فأراً ميتاً متفسخاً فقال في نفسه إن الزيت كله كان في المعصرة وفي مكان واحد وهذا يعني أن جميع الزيت الذي في الخوابي هو زيت نجس كان بمقدور محمد بن سيرين أن يعيد الزيت إلى البائع بسبب هذا العيب ولكنه خشي إن أعاده إلى البائع أن يبيعه البائع إلى رجل آخر لا يعلم بنجاسته ورغم أن محمد بن سيرين يعلم أن الإثم سيقع على البائع إن فعل ذلك إلا أنه اختار الطريق الأورع ففضل أن يريق الزيت وأن يضمن لصاحبه ثمنه ولكن قدر الله وما شاء فعل فقد وقع ابن سيرين بمشكلة مالية أعجزته عن الوفاء بثمن الزيت وهاهو اليوم مسجون إلى أن يتوفر له تمام الدين أيام عديدة مضت ومحمد بن سيرين في السجن كان يمضي وقته في عبادة الله تعالى والصلاة وتلاوة القرآن والدعاء وذكر الله تعالى تقدم منه السجان ذات يوم وقال له ما رأيك يا سيدي إذا كان الليل أن تذهب إلى أهلك وتبيت معهم فإذا أصبح الصباح عدت إلى هنا دون أن يعلم أحد بذلك سكت السجان قليلاً ثم أردف وبإمكانك أن تفعل ذلك كل يوم حتى يطلق سراحك قال محمد بن سيرين بانفعال واضح لا والله لا أفعل دهش السجان إذ لم يتوقع أن يرد ابن سيرين هذا العرض المذهل سأله لم لا هداك الله أجابه حتى لا أعاونك على خيانة ولي الأمر .
إذاً هذا هو ابن سيرين تابعي ثقة وعالم جليل ورع تعي نقي كان يقسمه يومه فيجعل شطر منه للعلم والعبادة وشطر آخر للكسب والتجارة فكان إذا طلع الفجر غدا إلى مسجد البصرة يعلم ويتعلم حتى إذا ارتفع النهار مضى إلى السوق يبيع ويشتري وعندما يقبل الليل كان يقف في محرابه متعبداً متبتلاً يبكي بين يدي الله تعالى خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه كان ابن سيرين قوي وجريء في الحق لا يخاف فيه لومة لائم يحكى في هذا أن والي العراق ابن هبير الفزاري بعث غليه يدعوه إلى زيارته مضى إليه ومعه ابن أخيه رحب الوالي بابن سيرين وسأله عن كثير من أمور الدين والدنيا ثم قال له كيف تركت أهل بلدك يا ابن سيرين قال تركتهم والظلم فيهم فاش وأنت عنهم لاه لم تأثر صراحة ابن سيرين وجرأته في قول الحق في نظرة الوالي إليه وإكرامه له فقد ودعه بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم وبعث إليه كيساً فيه ثلاثة آلاف درهم لكن ابن سيرين اعتذر عن قبولها الأمر الذي أدهش ابن أخيه فقال له ما يمنعك أن تقبل هدية الوالي أجابه ابن سيرين إنما أعطاني الوالي لخير ظنه بي فإن كنت من أهل الخير كما ظن فلا ينبغي لي أن أقبله وإن لم أكن كما ظنه فأحرى لي ألا استبيح ذلك .
كان ابن سيرين عالماً بتأويل الأحلام أتاه رجل ومعه جراب من جلد فقال له رأيت في النوم كأني أسد الزقاق سداً شديداً قال ابن سيرين أأنت رأيت هذا قال نعم فأسر ابن سيرين في اذن بعض من حضر قائلاً ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصبيان وربما يكون في جرابه آلة الخنق فلما خرج الرجل مجلس ابن سيرين تتبعوه فوجدوا في جرابه أوتار وشفرات فلسموه إلى السلطان فأقر أنه يخنق الصبيان يقول الشاعر :
إن لله عـباد فـطـنـى طـلـقـوا الـدنيـا وخــافـوا الـفـتـنـا
نـظـروا فـيـها فـلـمـا عـلـمـوا أنـهـا ليست لحـي وطـنـاً
جعلوها لجة واتخذواواتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا

أمة_الله
16-07-2010, 03:03 PM
وأوفوا بالعهد

قصتنا هذه تتحدث عن عدالة إسلامية انعدم نظيرها حتى في أرقى الدول ديمقراطيةً وحضارةً .
كان وفد من عشرة رجال من أهل سمرقند يغذون السير على الدواب بهمةٍ ونشاط ورغم بعد سمرقند عن دمشق إلا أن هؤلاء الرجال كانوا يسابقون الليالي والأيام للقاء الخليفة الجديد المشهور بالعدل والصلاح عمر بن عبد العزيز ليعرضوا على عمر شكواهم التي غصت بها حلوقهم منذ ثماني سنوات دخلوا عليه وتكلم رئيس الوفد قائلاً : .
إن قائد فتوحاتكم في بلاد ما وراء النهر قتيبة ابن مسلم الباهلي قد فتح سمرقند غدراً والغدر محرم في دينكم حسب ما نعلم لذلك أهل سمرقند يطالبون بخروج الجيش الإسلامي منها وبإعادتها للسمرقنديين .
دهش الخليفة لهذا الكلام وسأله هل لك أن تخبرني كيف فتحها غدراً ؟
أجاب لقد كان بينه وبين سمرقند معاهدة صلح لكن قتيبة خرق هذا الصلح وفاجأنا بغزو سمرقند وحاصرنا حصاراً شديداً حتى نزلنا عند حكمه فدفعنا الجزية وتولى المسلمون حكم ديارنا .
أمسك عمر بن عبد العزيز القلم وخط إلى عامله في سمرقند الكتاب التالي :
إلى سليمان بن أبي السُري إن أهل سمرقند شكوا إليَّ ظلماً وتحاملاً عليهم من قتيبة فإن أتاك كتابي بهذا فأجلس إليهم القاضي لينظر في أمرهم فإذا قضى لهم فأخرج المسلمين إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن يظهر عليهم قتيبة .
رجل وفد سمرقند إلى مدينتهم فرحين وقد راودهم أمل كبير بعودة حقهم إليهم في يوم المحاكمة جلس القاضي "جُميع ابن حاضر الناجي" ليحكم في تلك القضية أمام حشد كبير من أهل سمرقند الذين وفدوا ليشهدوا محاكمةً لم يشهد التاريخ مثلها وربما لن يشهد .
بعد سؤال وجواب الشهود تبين للقاضي صحة دعوى المدعين كان حكم القاضي واضحاً وصارماً رغم ما قد يسببه للمسلمين من صعوبات.
ليخرج الجيش الإسلامي الذي فتح سمرقند بقيادة قتيبة وليخرج المسلمون الذين دخلوها بعد الفتح إلى معسكر خارج المدينة ليجددوا فتحها إن شاؤوا .
مشكلة هذا الحكم أنه قد يكبد المسلمين مشقة معركة شديدة قد تكون خاسرة فضلاً عن ما فيها من إزهاق للأرواح وإضاعةٍ للأموال كما أن في هذا الحكم لتجار المسلمين هؤلاء التجار الذين استوطنوا سمرقند منذ ثمانية أعوام ووضعوا في عماراتها وأسواقها ما يملكونه من رؤوس أموال وخرج الجميع من سمرقند ووقف أهلها يرقبون المشهد المؤثر .
الزوج المسلم يودع زوجته السمرقندية وأولاده منها يلوحون له بأيديهم مودعين الزوج الصالح والأب العطوف وأصوات بكائهم تتعالى بحرقةٍ ولوعة والجار المسلم يودع جيرانه وأصدقاءه من أهل سمرقند وينتزع نفسه من بين أحضانهم انتزاعاً وكأنه يقتلع شجرةً كبيرةً من جذورها العميقة والتاجر المسلم يقضي ديونه ويصفي حساباته مع أهل سمرقند بأمانةٍ وصدق لم يرى مثلها السمرقنديون ولا غير السمرقنديين وخاصةً الغرباء الذين استوطنوا بلدهم يوماً من الأيام .
أمام هذه الصور الحية من التفاعل والود والتفاهم شعر أهل سمرقند تجاه المسلمين بالاحترام والإكبار وأحسوا بأصابع الندم تتسلل إلى قلوبهم وعقولهم فاجتمعوا وأعضاء الوفد الذي ذهب قبل شهور إلى دمشق ليطالب خليفتها برحيل المسلمين انطلق هذا الوفد إلى والي سمرقند الذي كان يشرف بنفسه على خروج المسلمين من بلاده وطلبوا منه أن يبقى المسلمون في سمرقند وألا يخرجوا منها .
استجاب المسلمون لهذا النداء النابع من القلب وعاد جيشهم إلى سمرقند وهو يردد الهتاف الخالد الله أكبر الله أكبر.
لم يتمالك الكثير من أهل سمرقند أنفسهم فانخرطوا مع المسلمين يصدحون بأعلى أصواتهم الله أكبر الله أكبر نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله .
لقد كان هذا الحكم العادل المبني على الوفاء بالعهود سبباً في إسلام الكثير من أهل سمرقند الذين تحولوا من مجوسٍ يعبدون النار إلى عبادٍ للرحمن يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً سلاما.
يقول الله تعالى { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (34) سورة الإسراء .

أمة_الله
16-07-2010, 03:05 PM
ماشطة ابنة فرعون

في جعبتي اليوم قصتنا لغلامين نطقا في المهد قصهما النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه لما فيهما من عبرة وعظة

القصة الأولى تتحدث عن ماشطة ابنة فرعون فقد كانت تؤمن بموسى عليه السلام وتخفي إيمانها خوفاً من بطش فرعون وجبروته كانت الماشطة تمشط ابنة فرعون ذات اليوم فسقط المشط من يدها فانحنت لتلتقطه وهي تقول باسم الله ابتسمت ابنة فرعون وقالت تقصدين أبي . احتارت الماشطة ماذا تقول تظل على ما عليه من كتمان إيمانها أم تجهر بذلك ولعل الله تعالى يجعل هداية ابنة فرعون على يديها حسمت أمرها في ثوان قليلة وقالت في لهجة المؤمن الواثق بالله تعالى بل باسم اله ربي وربك ورب أبيك صاحت ابنة فرعون ألك إله غير أبي لأخبرنه بذلك عندما علم فرعون بأمر الماشطة أمر بإحضارها على الفور وسألها عن حقيقة أمرها لم تشعر الماشطة بالخوف أبدا فقد كانت تحس بأن الله معها وكانت تسمد منه القوة والثبات واليقين فأجابت بكل جرأة .
نعم نعم أنا أؤمن بإله موسى إلهي وإلهك . صرخ فرعون أحضروا لقرة مجوفة من نحاس وأوقدوا فيها الناس واقذفوا أولاد تلك المارقة أمام عينيها علها تثوب إلى رشدها ألقي ثلاثة من أولاد تلك المرأة المؤمنة في النار أمام عينيها وفي كل مرة كان يلقى فيها بأحد أولادها في النار لتلهمه كانت تشعر بقلبها وروحها تحترق مع احتراق جسده وتشعر أيضاً بروحها تخرج مع روحه لكنه الدين أغلى ما تملكه ولن تضحي به لأي سبب كان.
كانت على يقين بأنهم ستراهم ثانية بجنان الله الخالدات تلك الجنان التي حدثها عنها نبي الله موسى فكانت تكتفي على أن تغمض عينيها وترسل روحها لترافقهم إلى هناك إلى ذلك المأوى الأبدي الخالد .
عندما حان دور رضيعها واقترب الجندي يريد انتزاعه من بين يديها لم تعد تستطيع أن تتحمل فصوت بكائه بكاء يصم أذنيها ألماً وحسرة وحزناً كادت تتراجع عن عزمها لكن الله أنطق رضيعها فقال اثبتي يا أماه فأنك على الحق اقتربت من النار وهي تمسك رضيعها لم تعد تشعر بالخوف ولا بالتردد فهي على الحق وعليها أن تصبر في نصرته ألفت بنفسها في النار ورضيعها معها وهي تقول بأعلى صوتها ربي وربكم الله ربي وربكم الله .
قصة ماشطة ابنة فرعون هذه وردت في حديث رواه الإمام أحمد يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها .


القصة الثانية لجريج العابد وقد وردت أيضاً في الحديث الصحيح كان جريج من عباد بني إسرائيل الزاهدين المنقطعين عن كل متع الدنيا وبهارجها وكان يعبد ربه في غار بعيد عن صخب النار وملاهيهم وملذاتهم .
أتت أمه يوماً إلى صومعته تريد منه أمراً فنادته من أسفل الغار يا جريج يا جريج لكنه جريج كان يصلي ويدعو ربه ويناجيه بخشوع احتار جريج في أمره هل يترك صلاته ويلبي نداء أمه أم يستمر في صلاته وعبادته حسم أمره بعد تردد وأكمل صلاته وتجاهل نداء أمه فقد رأى أن عبادة الله تعالى أمر لا يجوز أن يقدم عليه أي أمر آخر يئست والدة جريج من إجابته لها فرجعت إلى منزلها وفي قلبها غصة قدمت إليه في اليوم الثاني فتكررت معها نفس الحادثة نادته ونادته وجريج لا يجيب لأنه مستغرق بعبادة ربه غارق في مناجاته ودعائه وابتهالاته .
انكسر قلب الأم فرحلت عن الغار بكآبة فرفعت يديها إلى السماء ودعت على ولدها دعوة غريبة عجيبة فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوده المومسات في يوم من الأيام التقى أحد الرعاة بإحدى البغايا فحملت منه حملاً حراماً فلما وضعت وليدها سألت من أبوه فخافت فأجابت جريج العابد استهجن الناس أن يفعل الناس هذا وهو رجل معروف بصلاحه وتقواه ومع ذلك صدق كثير منهم مزاعم تلك المرأة فذهبوا إلى صومعة جريج يريدون هدمها فؤوسهم عندما علم جريج بذلك الاتهام قال والله ما اأنا بالذي يفعل ذلك ولكن أتوني بالرضيع فلما جيء به إليه التجأ إلى الله بقلب كسير ورجاه أن يظهر الحق ناصعاً ويبرأه مما اتهم به ثم مسح على رأس الرضيع وسأله من أبوك يا غلام فأنطق الله الرضيع فقال أبي الراعي فلان .
أنجى الله جريج من تلك التهمة الرهيبة بعد أن لقنه درس في فقه الأولويات وعلمه أن بر الوالدين فرض مؤكد وأنه مقدم على العبادات التطوعية .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد في سبيل الله فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أحية أمك قال نعم فقال له ألزم رجلها فثم الجنة.

أمة_الله
16-07-2010, 03:08 PM
سعيد بن عامر

سأتحدث في هذه القصة عن الصحابي الجليل سعيد ابن عامر . أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يولي سعيد ابن عامر ولاية حمص .لكن سعيد قال له لا تفتني يا أمير المؤمنين . أصر أمير المؤمنين على تكليف سعيد بهذه المهمة . فهو يرى فيه رجلاً تقيلاً صالحاً عادلاً حكيماً وحليماً يصلح لسياسة الناس وقيادتهم . لم يجد سعيد أمام إصرار عمر رضي الله عنهما إلا أن يرضخ .
وخصوصاً بعد أن قال له معاتباً والله لا أدعك أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي ثم تتركوني ؟ استلم سعيد ابن عامر ولاية حمص فعمل في أهلها بما يرضي الله ورسوله فأحبه معظم أهلها وكانوا يمدحونه كلما سألهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
لكن بعض أهل حمص كان لهم رأي أخر في هذا الوالي فانتهزوا زيارة عمر بن الخطاب إلى حمص عندما مر بها وهو ذاهب إلى القدس في فلسطين وشكوا إليه واليهم سعيد بن عامر . تلخصت شكايتهم بأربعة أمور هي أن هذا الوالي لا يخرج للناس حتى يتعالى النهار . ولا يجيب أحداً بالليل وله يومان بالشهر لا يخرج فيهما للقاء الناس أبداً .
وهناك مشكلة رابعة لا حيلة له بها ولكنها تضايقنا . وهي أنه يغمى عليه بين الحين والأخر. استمع عمر إلى لشكوى أهل حمص باهتمام لكنه لم يكتفي بما سمع منهم فجمع بينهم وبين واليهم ليتحقق من صحة هذه الاتهامات . أعاد المشتكون شكاواهم الأربعة أمام الوالي وجاء دور سعيد ابن عامر ليدافع عن نفسه فقال: يا أمير المؤمنين والله لقد كنت أكره ذكر السبب لكن لابد من ذلك .
أما قولهم إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار .فإنه ليس لأهلي خادم وأنا أعجن عجيني ثم أدعه حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ للضحى وأخرج إليهم . أما قولهم أني لا أجيب أحداً في الليل فإني قد جعلت النهار لهم والليل لربي . أما قولهم أن لي يومان بالشهر لا أخرج فيهما للقاء الناس فليس لي خادم يغسل ثوبي وليس لي ثياب أبدلها فأنا أغسل ثوبي وانتظر حتى يجف وأخرج أخر النهار .
سكت سعيد ابن عامر هنيهة وقد غص حلقه بالكلام هناك اتهام رابع كان بوده أن لا يبوح بالسر الذي ادخره لنفسه طوال تلك السنوات لكن باليد حيلة فقال: أما قولهم أني يغمى علي بين الحين والحين .
فقد شهدت مصرع خبيب بن ابن عدي الأنصاري بمكة وقد قطعت قريش لحمه ثم حملوه على خشبة فصلبوه وقالوا له أتحب أن محمد مكانك وأنك سالم في أهلك وولدك فصاح فيهم . والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً يشاك في شوكة في قدمه .
والله يا أمير المؤمنين ما ذكرت ذلك اليوم الذي كنت فيه كافراً فلم أنصر خبيب ابن عدي إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي ذلك الذنب أبداً فيغمى علي وتصيبني تلك الغشية . استبشر وجه أمير المؤمنين أمام هذا الدفاع الصادق وقال لسعيد: الحمد لله الذي لم يخيب فراستي فيك يا سعيد .
ثم أمر له بمالٍ أعطاه إياه قائلاً له استعن بأمرك . عندما علمت زوجة سعيد بأمر المال قالت بفرح الحمد لله الذي أغنى . لكنه قال لها . هل لكِ خير من ذلك . ندفعه إلى من يأتينا به عندما نكون أحوج ما نكون إليه . فهمت الزوجة الصالحة ما يرمي إليه زوجها .
ورغم أنها كانت بحاجة إلى المال لسد حاجات المنزل والعيال . إلا أنها آثرت أن تنفقه في سبيل الله عندما علمت بحرص زوجها على ذلك . فأومأت برأسها قائلة لك ما تشاء يا سعيد . وضع سعيد المال في صرر صغيرة . ثم طلب من أحد مساعديه الذين يثق بهم أن يذهب بهذه الصرة إلى أرملة آل فلان.
وبهذه إلى يتيم آل فلان وبهذه إلى مسكين آل فلان وبهذه إلى مبتلى آل فلان وبقيت منها واحدة فأعطاها لزوجته وهو يقول أنفقي هذه على حاجاتك ثم عاد إلى عمله وهو يرجو الله تعالى أن يكون في إنفاق ذلك المال على الفقراء ما يعينه على عتق رقبته ورقبة زوجته من النار .
يقول الله تعالى في كتابه الكريم (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنة فيضاعف له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون)

أمة_الله
16-07-2010, 03:11 PM
القاضي إياس بن معاوية

قصة جديدة من يحكى أن سأتحدث في هذه القصة عن قاضي البصرة إياس بن معاوية المزني الذي اشتهر بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة حتى ضربت به الأمثال وسيظهر هذا لكم واضحاً من خلال اللقطتين التاليتين التي اخترتهما من حياته.
اللقطة الأولى كان إياس شاباً يافعاً لم يطر شاربه بعد عندما قرر شيوخ البصرة وعلمائها أن يجعلوه إمام للسمجد لما جدوا فيه من علم غزير وفقه واسع كان ذلك قبل أن يستلم منصب القضاء في البصرة ذات يوم زار عبد الملك بن مروان البصرة قبل أن يتولى منصب الخلافة فصلى في المسجد وراء إياس ورأى أربعة من القراء من ذوي اللحى يصلون خلف إياس مأتمين به استاء عبد الملك من هذا وعقب قائلاً أف لأصحاب هذه اللحى أما فيهم شيخ يتقدمهم حتى قدم هذا الغلام ثم التفت عبد الملك إلى إياس وسأله كم سنك يا فتى قال إياس سني أطال الله بقاء الأمير كسن أسامة بن زيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيه أبو بكر وعمر ابتسم عبد الملك لدى سماعه هذا الجواب وقال تقدم يا فتى تقدم بارك الله فيك..

أما اللقطة الثانية فتتحدث عن القاضي إياس وذكائه حين تولى القضاء أتاه رجلان يختصمان في مبلغ من المال المدعي يقول يا سيدي أودعت لدى هذا الرجل مبلغ كذا من المال في تاريخ كذا في يوم كذا سأل القاضي المدعى عليه فقال المدعى عليه أنه يكذب يا سيدي لم يودع لدي أي مبلغ من المال التفت القاضي إلى المدعي وسأله هل لديك بينة تثبت صحة ما تقول أجابه بألم لا يا سيدي ليس هناك بينه فقد كنت أثق به كما أثق بنفسي وهو صديق عمري ولم يخطر ببالي أنه قد يغدر بي ويخون الأمانة قال القاضي إياس حسناً بما أنه لا بينة لدي فإن على خصمك أن يحلف يميناً أنك لم تودع لديه المال لأن القاعدة تقول البينة على من ادعى واليمين على من أنكر, صاح الخصم أنا جاهز لحلف اليمين يا سيدي القاضي استشف القاضي إياس بذكائه كذب هذا الخصم ومراوغته فأحب أن يتأكد من الموضوع في طريقته فتوجه إلى المدعي وقال له ولكني أحب قبل أن أوجه اليمين إلى غريمك أن تخبرني في أي مكان أعطيته المال قال المدعي في مكان كذا يا سيدي سأل القاضي المدعى عليه أتعرف ذلك المكان أجابه كلا يا سيدي قال القاضي للمدعي صف لي ذلك المكان بدأ المدعي يصف ذلك المكان فلما وصل إلى وصف شجرة التين الكبيرة التي تناولا تحت ظلها طعام الغداء قاطعه خصمه يقول عن أي شجرة وأي غداء تتحدث أنت تكذب فأنا لا أعرف شيئاً مما تقول فقال القاضي للمدعي خصمك لا يعرف شيئاً مما تقول فلعلك واهم أو ناس فاذهب إلى تلك الشجرة الآن ولعلك إذا وصلت إلى تلك الشجرة تذكرت أين وضعت مالك ثم عد إلي لتخبرني لم يفهم المدعي ما يرمي إليه القاضي من ذلك الطلب ولكنه رضخ لذلك عندما لمس جديته في طلبه , ذهب المدعي وبقي المدعى عليه لدى القاضي ينتظر عودة خصمه وقد بدا على وجهه علامة الاستغراب من تصرف القاضي التفت القاضي إياس إلى من عنده من المتقاضين وطفق يقضي بينهم وهو ينظر للمدعى عليه بطرف خفي وبينه وبين ما هو منهمك بالقضاء بين المتخاصمين التفت فجأة إلى المدعى عليه وسأله بشدة أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة أجابه دون تفكير كلا يا سيدي لا أظن ذلك غضب القاضي وقال له يا عدو الله والله إنك لخائن كيف تعرف إن وصل أم لم يصل إذا كنت تدعي أنك تجهل موضع الشجرة. بهت المدعى عليه وأقر بخيانته عادت إلى المدعي وديعته وأنزل القاضي إياس بالخائن أمامه عقوبة رادعة لكل من تسول له نفسه خيانة الأمانة ..
رحم الله القاضي إياس فقد كان نادرة من نوادر الزمان وأعجوبة من أعاجيب الدهر في الفطنة والذكاء


أتمنى الإستفادة للجميع
هذا ما تم العثور عليه ولي عودة بإذن الله عند العثور على المزيد
في أمان الله وحفظه

http://www.forum.ashefaa.com/images/icons/58_58.gif